+A
A-

شاهدت لكم على نتفليكس: Titan: The OceanGate Disaster

يأتي وثائقي نتفليكس الجديد "تيتان: كارثة أوشن غيت" (Titan: The OceanGate Disaster) كمحاولة ناجحة لتحليل مأساة كانت حديث العالم، عبر عدسة غرور شخصي مفرط ساهم بشكل مباشر في وقوعها. العمل لا يكتفي بسرد الوقائع، بل يُبرز كيف يمكن أن يتحول الطموح غير المقيد إلى كارثة، حين يفقد التوازن ويُدار بأنانية مفرطة.

يركز الوثائقي على شخصية ستوكتون راش، مؤسس شركة "أوشن غيت" عام 2009، والذي كان يطمح إلى أن يكون رائدًا ثوريًا في استكشاف أعماق البحار. كان راش يرى نفسه كمزيج من إيلون ماسك وبيل غيتس، لكن ما يبرزه الفيلم هو أن هذا التصور الذاتي لم يكن مشتركًا مع الآخرين، بل كان وهمًا غذّاه بنفسه.

يعرض الفيلم كيف أن راش لم يكن فقط حالماً، بل متهورًا ومتسلطًا. يُظهر الوثائقي شهادات ممن عملوا معه أو تعاملوا مع الشركة، والتي تُجمع على أنه كان صعبًا في التعامل، لا يتقبل النقد، ويتخذ قرارات في غاية الخطورة بدافع التفرد. يضع العمل تساؤلات صريحة حول دور المحيطين به، والسبب وراء استمرارهم في دعمه رغم علامات الخطر الواضحة.

جوهر الكارثة يتمحور حول غواصة "تيتان"، التي أصر راش على بنائها من ألياف الكربون بدلًا من المعادن التقليدية المستخدمة في الغواصات المخصصة لأعماق المحيط. يكشف الفيلم ببساطة علمية سبب خطورة هذا الخيار: ألياف الكربون أخف لكنها أقل قدرة على تحمل الضغط العالي. هدف راش من استخدامها كان تقليل تكلفة النقل والتشغيل، لكنه تجاهل التحذيرات الفنية من هشاشتها تحت أعماق البحر.

الوثائقي يتألق في جعل هذه الحقائق التقنية سهلة الفهم. يوضح أن معظم الغواصات المخصصة لأعماق البحار تُبنى من التيتانيوم أو الفولاذ، وليس من مواد مركبة. ومع ذلك، أصر راش على التجربة، غير مبالٍ بنتائج الاختبارات غير الحاسمة، ولا بتحذيرات الخبراء الذين أكدوا أن الانهيار مسألة وقت فقط.

الأمر الأخطر، كما يطرحه الفيلم، أن راش لم يكن جاهلاً، بل كان على علم بضعف المواد المستخدمة، وهذا ما يجعل موقفه مثيرًا للجدل إلى أقصى حد. لم تكن مخاطراته نابعة من جهل، بل من اعتقاد راسخ بأنه فوق الخطأ، وبأن رؤيته لا تحتاج إلى مصادقة علمية كاملة.

يُدين الفيلم بشكل غير مباشر جميع من ساعدوا في تنفيذ رؤية راش، حتى إن لم يكونوا على متن "تيتان" وقت الكارثة. فهم، برأي الوثائقي، كانوا جزءًا من سلسلة قرارات غير مسؤولة. إنه لا يمنح البراءة لأحد، بل يرسم صورة معقدة لمؤسسة سمحت لقيادتها بالانجراف دون رادع.

تُسجّل للوثائقي قدرته على كشف تناقضات راش: شخصية عبقرية وطموحة، لكنها مهووسة بالصورة العامة والنجاح السريع. وفي النهاية، يكشف الفيلم أن كل ما أنجزته "تيتان" من رحلات ناجحة لم يكن سوى سلسلة تجارب مؤقتة في انتظار الانفجار.

"تيتان: كارثة أوشن غيت" ليس مجرد إعادة تمثيل لمأساة، بل دراسة نفسية لغرور مؤسس تسبّب في مقتل ركاب غاصوا معه في عمق المحيط. هو تحذير من مغبة تجاهل العلم، وتحويل الطموح إلى مخاطرة غير محسوبة. الوثائقي يُعرّي الحقيقة ببساطة مدهشة، ويترك المشاهد في حالة تساؤل وغضب من عالم لا يزال يفتن بالقادة حتى لو ساروا نحو الهاوية.