العدد 6097
الثلاثاء 24 يونيو 2025
banner
عندما تُقرع طبول الخطر
الثلاثاء 24 يونيو 2025

في عالم المال والاستثمار، لا تسير الأمور دائما في خط مستقيم. ففي أوقات الاستقرار الاقتصادي والنمو المستدام، تُفتح شهية المستثمرين على المخاطر، وتُزهر الأسواق بالفرص، وتتجه السيولة إلى الأسهم، خصوصا تلك التي تمثل قطاعات النمو والابتكار، وتُبنى المحافظ الاستثمارية بروح من التفاؤل المدروس. ولكن ماذا يحدث عندما تُقرع طبول الخطر؟
عندما تهتز الأرض تحت أقدام الجغرافيا السياسية، أو تتصاعد التوترات في منطقة ذات ثقل اقتصادي؟
ماذا يحدث عندما يتغير المزاج العام من الطمع إلى الخوف، ومن الأمل إلى الحذر؟
هنا، يتغير كل شيء من شهية المخاطرة إلى سلوك الترقب.
التحول من المخاطرة إلى الأمان ليس قرارا لحظيا، بل هو سلوك تراكمي نابع من قراءة عميقة للمتغيرات. فالأسواق لا تتفاعل فقط مع الأرقام، بل مع التوقعات، والقرارات السياسية، ومؤشرات الثقة. ومع كل إشعار توتر أو خبر عاجل، تبدأ المحافظ في إعادة التمركز.
الأسهم الدفاعية - كالخدمات الصحية، والاتصالات، والسلع الاستهلاكية الأساسية - تعود إلى الواجهة. الذهب، الدولار، والسندات الأميركية، تتحول إلى ملاذات آمنة. تتجمد شهية المخاطر، ويصبح هدف المستثمر هو الحفاظ على رأس المال أكثر من تعظيمه.
أهمية المرونة والتخطيط المسبق
الاستثمار ليس مجرد دخول في صفقة، بل هو إدارة متكاملة للمخاطر. والمستثمر الذكي لا ينتظر الأزمة ليتصرف، بل يُعد العدة قبل أن تعصف العاصفة. فوجود خطط بديلة، وتنويع في الأصول، واحتياطي سيولة مدروس، كلها أدوات لا غنى عنها في مثل هذه الأوقات.
عندما تسير الأمور بسلاسة، قد يبدو التنويع في المحفظة أو الاستثمارات كأنه يقلل من العوائد، لكن في لحظة الهلع، يتضح أنه الصمام الذي يحفظ ثروتك. فالحكمة ليست فقط في اختيار أفضل سهم، بل في بناء منظومة مقاومة للتقلبات.

المرونة في اتخاذ القرار
من أخطر ما يمكن أن يقع فيه المستثمر هو الجمود في الرؤية. ففي ظل الأزمات، تتغير المعطيات بسرعة، وتتطلب قرارات تتسم بالمرونة والواقعية. قد تتخلى مؤقتا عن أسهم كنت تعتقد أنها واعدة، فقط لتأمين موقعك المالي. قد تقلص انكشافك على عملات معينة، أو تُعيد هيكلة مشروع قائم ليكون أكثر تماشيا مع الوضع الجديد. هذه ليست خسارة، بل تكيف. ومفتاح النجاة في عالم الاستثمار ليس الثبات المطلق، بل القدرة على التكيّف الذكي. 

ما بعد الأزمة.. هناك فرص
المفارقة أن الأزمات نفسها تخلق فرصا جديدة. المستثمر الذي يفكر بعقلية طويلة المدى، ويحافظ على سيولة كافية، يستطيع أن يقتنص أصولا بقيم مغرية عندما تهدأ العاصفة. ولكن لن يصل إلى هذه المرحلة إلا من كان مستعدا مسبقا، متوازنا في نهجه، ومتجردا من العواطف المندفعة.
الخلاصة 
عندما تُقرع طبول الخطر، لا تفرّ، بل راقب. لا تُقامر، بل خطط. لا تنتظر من السوق أن ترحمك، بل ابنِ لنفسك الحصن الذي يحميك، الاستثمار الذكي لا يبدأ عند الشراء، بل عند الفهم، والتخطيط، والتجهيز لأسوأ السيناريوهات.
فالمال الذي يبقى في السوق هو المال الذي حسنت إدارته، لا المال الذي جرى خلف الطمع في زمنٍ كان الخوف فيه سيد الموقف.

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية