في الزمن الماضي كان آباؤنا وأجدادنا الأوائل يتزوجون بالطرق التقليدية المعروفة حسب التقاليد والاصول المرعية في زمانهم، ومن حسن ذلك الزمان كانت الأمراض قليلة لأن الحياة كانت طبيعية من حيث الأكل والشرب من المواد الطبيعية الطازجة وحينها لم تدخل بعد الكهرباء التي عندما جاءت دخلت الثلاجات والمكيفات وأصبحت طبيعة الأكل تتغير ويطبخ الطعام ويحفظ في الثلاجة ويتعرض للكثير من التغيير، شيئا فشيئا تغير نمط الحياة فأصبح الأكل والشرب في الكثير من الأحيان سببا في الأمراض والأوبئة، وظهرت الكثير من الأمراض التي لم تكن موجودة في السابق، وأصبح الناس يتناولون العقاقير الطبية التي أثرت في أجسادهم بأشكال كثيرة.
وفي العقود الأخيرة ومع كثرة الأمراض والأسقام تزايدت الحاجة للعلاج بأشكاله المختلفة، ومع التطور الكبير والهائل أصبح من الطبيعي جدا الحاجة إلى الفحص الجيني قبل الزواج، ليس كإجراء وقائي بل ضرورة ملحّة لضمان مستقبل صحي للأجيال المقبلة التي نعتمد عليها في مسيرة حياتنا وتقدمنا للأمام، ومن حسن الطالع أصبح العلم قادرًا على كشف خبايا الحمض النووي ومعرفة احتمالات الإصابة بالأمراض الوراثية، ما يضعنا أمام مسؤولية أخلاقية ومجتمعية لا يمكن تجاهلها.
ونحن في البحرين لدينا تجربة في الفحص قبل الزواج، خصوصًا فيما يتعلق بمرض السكلر (فقر الدم المنجلي)، البحرين كانت من أوائل الدول التي فرضت الفحص الطبي قبل الزواج، مما ساعد في رفع الوعي المجتمعي حول مخاطر الأمراض الوراثية، وهو ما أسهم في تقليل معدلات الإصابة وتحسين جودة الحياة للمرضى، و بفضل الفحوصات المبكرة والرعاية المتقدمة، ارتفع متوسط عمر المصابين بالسكلر في البحرين من 42 سنة إلى 65 سنة، وهو إنجاز طبي واجتماعي كبير، ومملكة البحرين بفضل السياسات الصحية المتقدمة والمتميزة لا تكتفي بالفحص قبل الزواج فقط، بل لديها برامج فحص عند الولادة وفي المرحلة الثانوية، مما يعزز فرص التدخل المبكر وتحسين الرعاية الصحية.
إن الحاجة إلى الفحص الجيني تسهم في الحد من انتقال الأمراض الوراثية إلى الأجيال القادمة، بالنظر إلى تزايد انتشار زواج الأقارب في الكثير من الأحيان، وفي هذا الصدد يقول الأطباء أصحاب الاختصاص أن الزواج من الأقارب يضاعف احتمالات انتقال الطفرات الوراثية الضارة وهذا أمر شائع ومعروف، ومن هنا فإن المؤسسة التشريعية في مملكة البحرين مطالبة بإيجاد تشريعات تدعم صدور هذا القرار الذي يرتبط ارتباطا وثيقا بمستقبل أجيالنا المقبلة.
أعتقد ان هذه الخطوة تحتاج لدعم من كافة أجهزة الإعلام في البحرين، ومؤسسات المجتمع المدني المهتمة بالأسرة ومستقبلها، وذلك بقيادة حملات التوعية في المجتمع لإرساء ثقافة الفحص الجيني كجزء أساسي من التحضيرات قبل الزواج، تمامًا كما هو الحال مع الفحوصات التقليدية للكشف عن الأمراض المعدية أو توافق فصائل الدم.
هذا الموضوع من مدونات القراء |
---|
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected] |