لا يوجد عدد واضح للكم الكبير من أطروحات السلام التي قدمها العرب لحل مشكلة الشرق الأوسط أمام إسرائيل وقوبلت بالصد والرفض والإنكار عمليا. مبادرة تلو الأخرى تموت قبل أن يكتب لها القبول والنجاح، كلها تحولت إلى كلمات مبعثرة في الهواء. الشرق الأوسط الذي تعرض لمحاولات لا تتوقف من إعادة رسمه بدءا من اتفاقية سايكس بيكو المشؤومة، وصولا للشرق الأوسط الجديد والفوضى الخلاقة والربيع العربي، لا يزال يسعى ويحلم بتحقيق السلام، سلام حقيقي مبني أولا وأخيرا على فكرة العدل وليس السلام كمجرد وقف لإطلاق النار.
لكن السلام بات اليوم مسألة بعيدة المنال وصعبة التحقيق، الظروف الحالية تخنق أية فرصة للبقاء والحلم، واقع يخنق الأمل ويدفن الحياة. ما يتم طرحه الآن من حلول لمشكلة الشرق الأوسط أبعد ما تكون عن فكرة السلام أو العدالة، هي مجرد تأجيل لموعد انفجار قنبلة الفلسطينيين الموقوتة وإرجاء مشروع الانتقام منهم. إسرائيل لم تعترف يوما بحق الفلسطينيين في تكوين دولة مستقلة لهم، حتى اتفاق أوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية لم يكن يتضمن حق الفلسطينيين في تأسيس دولة مستقلة لهم، إنما حكم ذاتي فقط. إسرائيل تتعامل مع الفلسطينيين ككائن منقوص الأهلية ومسلوب الإرادة وأنه غريب عن الأرض، وهذه مسائل لا يمكن لها أن تستقيم مع طرف ينشد السلام مع خصومه إذا ما افترضنا ذلك.
المشهد الحالي سلبي للغاية، شديد السواد، لكن المواقف لا تقاس بمشهد معين بحد ذاته، نضالات الشعوب والسعي للسلام والعدالة مشاويرها صعبة ووعرة وشاقة وطويلة، لكنها محطة تستحق الوصول والصبر. الأرض مقابل الكلام هو ما قدمته إسرائيل، تأخذ مزيدا من الأراضي باحتلالها من عصابات المستوطنين بقوة السلاح مقابل حفنة من الكلام الذي لا يقدم ولا يؤخر.