يتذكر العالم العربي هذه الأيام وسط زحام الأخبار المتلاحقة مرور خمسين عاما على رحيل سيدة الغناء العربي وكوكب الشرق السيدة أم كلثوم، التي تربعت على عرش الغناء في الشرق لعقود طويلة من الزمن.
من غيرها سطر “سيرة الحب” في “ألف ليلة وليلة” بشكل مبهر أخاذ؟ ومن غيرها تحسر على “الأطلال” في أوراق “قصة الأمس” بعدما أطلقت “ثورة الشك” وقالت له “هجرتك” “يا ظالمني”؟ وبعد أن بقي سؤالها “هو صحيح الهوا غلاب” بلا إجابة، وهي التي أفصحت بمشاعرها وقالت “أنت الحب” بل وأضافت “أنت عمري”، تعبت من اللوم وعاتبته “يا مسهرني” و “دليلي احتار” و “وحيرت قلبي” لتبقى على نار تردد “أنا في انتظارك” لعلها تردد في لحظة ما “رق الحبيب”.
لم يجتمع الناس على حب أحد من أهل الفن كحبهم وإجماعهم على حب أم كلثوم، لم يتمكن أحد من الغناء لهذا الكم العظيم من شعراء الفصحى والعامية في العالم العربي مثلها، ولا تمكن أحد من تجميع هذا العدد والنوعية من عباقرة وأساطير التأليف والتلحين الموسيقي الاستثنائي.
ستبقى ذكرى رحيل أم كلثوم بالنسبة لعدد غير بسيط من عشاقها ما يشبه “ليلة حب” بل وبشكل أدق هي “الحب كله”، هي الصحبة الدائمة في لقاء الأحبة والعشق والمعشوق، صاحبة السؤال الخالد الأهم في قاموس العشاق “أغدا ألقاك”، وهي صاحبة الخاتمة الأشهر “للصبر حدود” قبل أن تسدل الستار بالعبارة الحاسمة “فات الميعاد”، وعندما تسأل عن السبب تجيب بكل كبرياء “اسأل روحك”، مضيفة “انت فين والحب فين”. تبقى أم كلثوم مهما طال الوقت، حالة استثنائية لن تتكرر.
طرب، سلطنة ودندنة ومزاج، تجمع في صوتها حالات الحزن والشجن والألم واللوعة والضعف والعذاب والفرحة والانشراح والرضا والخوف والطمأنينة والأمل والرجاء والعطف والعزة والشموخ، إنها باختصار “الست”، وإذا سئل عاشق لأم كلثوم هل تذكر كوكب الشرق فيبتسم ويقول “فكروني ازاي هو انا نسيتك”، رحم الله كوكب الشرق أم كلثوم رحمة واسعة.