جاءت زيارة الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون لسلطنة عمان لتضيف قوة ومتانة للعلاقات العمانية الجزائرية التاريخية التي أسست عام 1973 بعد زيارة للسلطان الراحل قابوس بن سعيد ـ طيب الله ثراه ـ للجزائر، ومنذ ذلك الوقت والعلاقات الأخوية الوطيدة بين البلدين تزداد لحمة، وتبلورت على مدى العقود الماضية لتتجاوز حدود مفاهيم الدبلوماسية والجغرافيا لتتوج بأول لقاء بين جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم والرئيس عبدالمجيد تبون منذ تولي كل منهما مقاليد الحكم.
وتجمع سلطنة عمان والجزائر العديد من الرؤى المشتركة والأهداف، فالعلاقات تاريخية ومتجذرة ومتماسكة على مختلف الأصعدة، وتشهد تطورًا لافتًا في العهد الجديد للبلدين، وما يعزّز هذه العلاقات والتقارب الكبير رؤية القيادتين حيال قضايا الساعة والمساعي الحميدة والأدوار الإيجابية لهما لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم. فمسقط والجزائر متفقتان على وقف الحروب كافة، سواء في غزة أو لبنان أو السودان أو أوكرانيا، بل وتحثان على الاستقرار والأمن والحوار لحل القضايا والأزمات المختلفة بالمنطقة، فالبلدان يؤكدان دائمًا - وبحرص كبير - على تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة والعالم من خلال الحوار ودعم مسارات السلام والعدالة التي هي أساس الأمن، ومتفقان أيضًا على تنسيق المواقف تجاه القضايا الإقليمية والدولية، وعلى معاقبة إسرائيل على جرائمها وتحسين أداء مجلس الأمن الدولي.
واليوم نرى أن زيارة ـ دولة ـ للرئيس الجزائري لسلطنة عمان هي للمكانة التي تكرّست على مر التاريخ بين البلدين وللعلاقات التي ازدهرت وترسخت وتميزت بينهما. واليوم وبعد هذه الزيارة وما تمخض عنها من نتائج ستتعزّز العلاقات بتنسيق عالي المستوى بين القيادتين الحكيمتين في البلدين الشقيقين، وحرصهما الدائم على دعمها وتعزيزها في مختلف المجالات، الأمر الذي حول العلاقات بينهما إلى تعاون ثنائي وشراكة استراتيجية اقتصادية.
ومن المؤكد أن الزيارة ستفتح آفاقًا جديدة للتعاون، خصوصًا في المجالات التجارية والاقتصادية والاستثمارية، بما ينعكس إيجابًا على التبادل التجاري بينهما قريبًا.
فجاءَ الترحيبُ العماني الشعبي بالضيف الكبير بحجم المَحبة والتقدير، وما تمثله الجزائر من مكانة، وما يجسّد بوضوح مكانة القادة العرب في الوجدان العماني عبر التاريخ ومكانة كل الدول الشقيقة، خصوصًا أن ما يربط مسقط والجزائر من عمق وود وتوافق متناغم على مختلف المستويات العربية والدولية بالإضافة إلى الرصيد الطيب في المواقف السياسية تجاه القضايا الإقليمية الذي يسهم في تعزيز العمل العربي المشترك.
فأهلًا وسهلًا بمن زارنا، فزيارتكم تكتسب بُعدًا استثنائيًّا من حيث توقيتها؛ ومن حيث أهميتها للتقارب الكبير بين البلدين حول ضرورة بلورة حلول سلمية للأزمات وتشجيع العمل على إرساء علاقات دولية متوازنة تحتكم لميثاق الأمم المتحدة ومبادئها الراسخة، وستدفع إلى مزيد من التعاون والشراكة الاستراتيجية، خصوصًا أن البلدين يملكان كل المقومات المشجعة على تحقيق الشراكة، خصوصًا أن الرئيسين أجريا مباحثات معمّقة تضمّنت تأكيد عمق ومتانة العلاقات التاريخية الوثيقة بين عمان والجزائر.
نسأل الله أن يوفق القيادتين الحكيمتين فيما يخدم مصالح الشعبين الشقيقين في جميع المجالات لما للعلاقات العُمانية الجزائرية من بعد نظر وحكمة ورؤية وأهداف.. والله من وراء القصد.
كاتب ومحلل سياسي عماني