تحقيقا للرؤية الاقتصادية 2030، وقواعد التنمية المستدامة، وجذبا للاستثمارات، وبناء بيئة قانونية وتجارية متوقعة وآمنة، أصدرت مملكة البحرين القانون رقم 9 لسنة 2024، بشأن محكمة البحرين التجارية الدولية (BICC)، بتأسيسها كشخص قانوني مستقل تحت إشراف وزير العدل. تم تصميم هذه المحكمة الجديدة للتعامل مع مجموعة واسعة من النزاعات، مع التركيز على المسائل التجارية الدولية والقضايا التحكيمية، ويُسمح فيها للمحامين غير البحرينيين بتمثيل الأطراف في النزاعات التي تتم باللغة العربية أو الأجنبية. وسيضع مجلس المحكمة اللوائح المتعلقة بالقواعد والإجراءات والجداول الزمنية للمنازعات التي تدخل في نطاق اختصاصها. وسيكون ذلك بمثابة الدليل التشغيلي الذي يوفر إطار عمل متكاملا يشمل أهم الإجراءات الخاصة بالمحكمة، والمتعلقة بشهادة الشهود، وطلبات إلزام الخصم بتقديم المحررات والمستندات الموجودة تحت يده، الحجج الهيكلية، التسلسل الزمني للدعوى. والأحكام الصادرة عنها قابلة للاستئناف أمام هيئة الاستئناف التي ينشئها رئيس المحكمة، ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك، كما يجوز استئنافه في ولايات قضائية أخرى موقعة على معاهدات مع المملكة، ومنها سنغافورة، ويكون الحكم الصادر عن هيئة الاستئناف نهائيا وغير قابل للطعن فيه أمام محكمة التمييز. وتهدف محكمة البحرين التجارية الدولية إلى أن تكون مكانا رائدا لحل النزاعات التجارية الدولية، إذ تقدم إطارا قانونيا متكاملا ومتخصصا يلبي المعايير العالمية، ويوفر جميع الخدمات القانونية؛ لتسهيل الحلول الفاعلة التي تتطلبها المسائل التجارية والاستثمارية والتحكيمية العابرة للحدود، كما تهدف إلى جذب الاستثمارات، ورفع التعاملات التجارية والاقتصادية بين القطاعين العام والخاص، بتوفير بيئة قانونية وإجرائية آمنة ومألوفة ومتوقعة للشركات والاستثمارات الأجنبية. وتعد المحكمة، عنصرا مهما ضمن رؤية المملكة لجذب الاستثمارات ورؤوس الأموال الأجنبية، ما يساهم في تنويع اقتصادها، وذلك من خلال توفيرها لخدمات قضائية تتماشى مع أفضل المعايير الدولية؛ لتوفير بيئة أعمال صحية والفصل في النزاعات بكفاءة وفعالية في وقت زمني قصير. وعلى المستوى الدولي، تعد المحاكم التجارية الدولية ICCs) International Commercial Courts) إضافة جديدة إلى النظام الدولي لتسوية المنازعات؛ لأنها تمثل جهدا لعولمة القضاء وحل المنازعات من خلال القضاء العابر للحدود الوطنية، الذي يقلل الانقسامات التقليدية بين المحلية والدولية. وإن الفراغ التشريعي في القانون الدولي الذي يمنع القطاع الخاص من اللجوء للقضاء الدولي، هو الذي أدى إلى ظهور المحاكم التجارية الدولية (ICCs)، ويتم إنشاؤها بموجب قانون محلي، لكنها تتمتع بطابع دولي؛ بسبب تصميمها المؤسسي، بالإضافة إلى الطبيعة العابرة للحدود للنزعات التي تنظرها وفق ولايتها القضائية. فهي ليست من صناعات القانون الدولي، كما قد يوحي اسمها، ولكنها محاكم محلية هجينة متخصصة ومدمجة في الأنظمة القانونية الوطنية، متخصصة ومصممة لتوفير منتدى للفصل في المنازعات التجارية المعقدة عبر الحدود، بكفاءة ونزاهة، للمشغلين الذين يعملون عبر ولايات قضائية مختلفة.
وفي السياق القانوني السياسي، فإن هذه المحاكم تشكل تحالفا مع السلطات القضائية المحلية والقادة السياسيين لتحقيق الرؤية الإستراتيجية الاقتصادية بالدولة، ليؤكد على الدور الهام للقانون التجاري في الاقتصاد السياسي الدولي (IPE) International Political Economy، والاهتمام بحل النزاعات الاقتصادية العالمية ذات القيمة الاستثمارية والنقدية الكبيرة، وتسعى في وظيفتها إلى الجمع بين مزايا التحكيم التجاري والتقاضي، وتكمل آليات تسوية المنازعات الخاصة بمنظمة التجارة العالمية (WTO) وآليات تسوية المنازعات Dispute Settlement Mechanisms (DSMs)، وآليات تسوية المنازعات بموجب اتفاقيات التجارة التفضيلية (PTAs) Preferential Trade Agreements.
وبعض المحاكم التجارية الدولية هي في الأساس محاكم محلية، أو غرف قضائية، أصبحت تتعامل في الغالب مع النزاعات التجارية الدولية، مثل محكمة لندن التجارية التي تحولت من محكمة إلى مركز عالمي لحل النزاعات، بينما البعض الآخر منها قائمة بذاتها كمؤسسات مستقلة جغرافيا وقانونيا، وغالبا ما تقع في المناطق الاقتصادية الخاصة (SEZ)، وتعمل بموجب استثناءات دستورية، منها محاكم مركز دبي المالي العالمي (محاكم مركز دبي المالي العالمي)، ومحكمة قطر المالية الدولية، ومركز تسوية المنازعات (QIC)، ومحكمة مركز أستانا المالي الدولي (AIFCC)، ومحكمة سوق أبوظبي العالمي (ADGM)، إذ يتمتعون باختصاصات قضائية، وهم منفصلون عن النظام القانوني والأنظمة القضائية في دولهم، وتصدر أحكامهم على أساس قوانين المناطق الاقتصادية الخاصة، التي تمت صياغتها على غرار القانون العام الإنجليزي.
وبعض المحاكم التجارية الدولية، خاصة في أوروبا، لديها مواطنون فقط يعملون كقضاة. ومع ذلك، فإن المحاكم التجارية الدولية الأخرى لا تضم سوى قضاة متقاعدين من المحاكم العليا الإنجليزية أو الأسترالية، يوفر بعضها التقاضي فقط، بينما تم تصميم البعض الآخر كمراكز شاملة لتسوية المنازعات، فتوفر التقاضي والتحكيم والوساطة مع إمكانية التبديل بين هذه الإجراءات.