العدد 5669
الإثنين 22 أبريل 2024
banner
كمال الذيب
كمال الذيب
التخفيف من الوزن ثقافيا (2)
الإثنين 22 أبريل 2024

لا يزال جيلنا يتذكر جيدا أن قراء الصحف في الأزمنة السابقة، وإلى عهد ليس بعيدا، كانوا لا يجدون صعوبة في مطالعة ما يكتبه كتاب وأدباء ومفكرون مرموقون في الصحف والمجلات، من وزن علي سيار ومحمود المردي ومحمد جابر الأنصاري، وعبدالله خليفة وإبراهيم غلوم وباقر النجار وأمين صالح وقاسم حداد، وغيرهم كثيرون. ولن نذهب بعيدا في الزمن - والذي كانت فيه الأمية متفشية - لنتحدث عن كتاب من حجم طه حسين والعقاد وتوفيق الحكيم ورفاعة الطهطاوي والطاهر الحداد وجبران خليل جبران وأمين معلوف وقاسم أمين، وجرجي زيدان وعلي الوردي وأنسي الحاج وأحمد أمين ومحمد عابد الجابري وحسنين هيكل وعبدالله العروي ومي زيادة ونازك الملائكة، وغيرهم عشرات من المشرق إلى المغرب.
قراء الصحف والمجلات حينها كانوا يهتمون بالمسائل والأفكار التي كانت تطرح بما في ذلك السجالات واختلاف الآراء، لذلك تطورت الحياة الفكرية والثقافية وازدهرت، ولم يقتصر ذلك على الكتاب، بل شمل القراء والمتابعين للصحافة عامة وللصحافة الأدبية خاصة. ولم نسمع وقتها من ينتقد المستوى الرفيع من اللغة أو التعقيد في الفكرة. أما اليوم، وبالرغم من انتشار التعليم وكثرة الشهادات العالية، فإن موضوع التلقي أصبح أكثر تعقيدا بالنسبة للكاتب الذي يتطلع إلى أن يتلقاه جمهور القراء بسهولة. لقد كانت هناك مؤشرات سابقة لهذا المنعطف في ظل ثقافة التنحيف الثقافي وانتشار فكرة (ثقل دم الثقافة) و(ثقافة الخفايف) التي تدور حول أخبار الفنانين وتقليعات الموضة ولا بأس من تطعيمها بفقرات من علم المطابخ والأكلات الجاهزة، ما يتطلب اتّباع (رجيم ثقافي قاس) للتخلص من اللغة (المتعالية). وأمام ارتفاع المستوى التعليمي (مقابل تدني المستوى الثقافي) يبدو أن المطلوب جعل الكتابة متدنية لتتوافق مع المستوى الصفري من التلقي. ولذلك قد نحتاج إلى حلول جذرية لإيقاف نزيف الوعي ومأساة الاقتصاد في طاقة العقل والإبداع. 

فإذا كان الاستيعاب عسيرا إلى هذه الدرجة، فكل مقال يخرج عن الوصفة السحرية للفهم الدارج المرتهن إلى اللغة الصفرية، سيكون مجرد قفزة في المجهول، وسوف يصرخون في وجهك: “اكتب ما تشاء، فلن يعبأ بك أحد، ولن تعبر كلماتك، ولن تصل إلى أسماعنا. لقد أدمنا كل ما هو بعيد عن الثقافة والفكر، ونركض وراء التفاهة التي تم ترفيعها إلى مرتبة الثقافة”!.

كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .