تواجه صناعة الإعلام تحديات مستجدة ومتعددة، تهدد بتقليص العوائد من الإعلانات تحديدا، وهي عصب صناعة الإعلام. واستدعت خلاصات تقرير حديث لمعهد رويترز للصحافة قلقا متزايدا بين المعنيين بشؤون الإعلام والصحافة، تردد صداه منذ صدور التقرير قبل شهرين، ليثير نقاشات ممتدة ومتجددة عما إذا كان الشكل التقليدي لوسائل الإعلام (الصحيفة المطبوعة وأذرعها الرقمية، القناة التليفزيونية)، هو الشكل القابل للحياة، أم يتطلب شكلا جديدا، مع نزوع وسائل تواصل للتحول في بعض جوانبها إلى وسيلة إعلام؟ أم يكون الحل في دمج الإعلام بالإعلان بشكل يحافظ على مصداقية الإعلام وتأثيره مع الحفاظ على جدوى الإعلان المعلن؟
وبنظرة سريعة على ملخص فحوى التقرير، نجد أنه يشير إلى ما شهدته غرف الأخبار العام الماضي من ضغوط غير مسبوقة بسبب سلسلة من الأزمات العالمية، ومن المتوقع أن يستمر هذا الضغط بالعام الحالي 2024.
وهناك انخفاض ملحوظ وحاد في حركة الإحالة من فيسبوك وإكس، من المرجح أن تؤدي هذه التغييرات، بمرور الوقت، إلى تقليل وصول الجمهور إلى المواقع الإخبارية المحترفة، وهذا الوضع سيجعل الناشرين يبحثون عن طريقة تمكنهم من تقليل اعتمادهم على منصات التكنولوجيا العملاقة وبناء علاقات مباشرة أوثق مع الجمهور ذي الولاء لتلك المواقع.
ولتحقيق الغاية أعلاه، يتوقع من مالكي وسائل الإعلام وضع مزيد من الحواجز أمام اقتباس المحتوى، إضافة إلى الاستعانة بمحامين مكلفين لحماية ملكيتهم الفكرية، وفي الوقت نفسه، سيدركون أن هذه الاستراتيجيات تخاطر بترك علاماتهم التجارية في حالة من العزلة، عبر زيادة صعوبة الوصول إلى الجمهور الأصغر سنا والأقل تعليما؛ إذ يشعر كثير من هؤلاء فعلا بالارتياح تجاه الأخبار التي تُنشَأ خوارزميا، ولديهم علاقات أضعف مع وسائل الإعلام التقليدية.
وترتبط مخاوف قادة الإعلام بارتفاع التكاليف، وانخفاض عائدات الإعلانات، وتباطؤ نمو الاشتراكات، بالإضافة إلى تصاعد المضايقات القانونية والجسدية ضد الصحافيين.
أما أسباب التفاؤل، فهي تكمن في أن تؤدي الأحداث السياسية والرياضية الكبرى خلال العام، كالانتخابات في الولايات المتحدة والأولمبياد، إلى زيادة اهتمام الجمهور واستهلاك الأخبار، حتى لو كان ذلك بشكل مؤقت.
ويقول الصحافي والإعلامي خالد صلاح إن هناك عددًا لا حصر له من الأماكن المخصصة لعرض الإعلانات على مواقع الصحف الإلكترونية، ولكن المعنى الوحيد المهم لعرض الإعلان هو في جاذبيته للسلعة، وهذه الجاذبية لا تعني أبدًا التشويش على المحتوى الرئيس الذي يستهدفه القارئ.
وتابع: الحال الآن يتلخص في أن الإعلانات تستفز القارئ بحرمانه من متعة التصفح والقراءة السهلة، فلا المواد الصحافية مقروءة ولا الإعلان لديه الحد الأدنى من الجاذبية، ويثير سخط القراء أكثر مما يشجعهم على استهلاك هذا الإعلان أو الحماسة للسلعة المعلن عنها في الموقع.
وأكد صلاح، وهو من رواد الصحافة الرقمية وله تجربة مميزة في قيادة مؤسسة اليوم السابع المصرية، أن الصحف العالمية ابتكرت أنواعًا مختلفة من الإعلان يمكن اعتمادها كمرجعية، كما أضافت منصات التواصل الاجتماعي أنواعًا أخرى يمكن تبنيها ودمجها في الصحف الإلكترونية بسهولة.
ومضى صلاح بالقول إن ذلك يأتي لأن كل ما يتوافر من إحصاءات عن القراءة الرقمية يشير إلى تراجع في تصفح المواقع الإلكترونية لصالح منصات وسائل التواصل الاجتماعي الأكثر بساطة، وقد تظن غرف الأخبار في الصحف أنها تنتفع من ذلك بمضاعفة مشاهداتها على منصات التواصل الاجتماعي، لكن هذا غير صحيح بالمرة، فالكل يعرف أن فيسبوك يمارس ألاعيب تضييق أكبر على المحتوى، وعلى السياسات التحريرية التي تخالف توجهات هذه المنصة العملاقة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن منصات التواصل الاجتماعي يتساوى فيها الحابل بالنابل، ما يضعف تأثير الصحف في زحام المحتوى مجهول المصدر على هذه المنصات.
ويفرض ذلك، برأيه، على قادة غرف الأخبار ضرورة استعادة مكانة الصحف بمزيد من الجهد والتخطيط في تصميمات المواقع الإلكترونية ومدى بساطتها في التصفح، وضبط شكل الإعلانات مما هو خطوة أولى وحتمية نحو هذه الغاية.
يقول عصام سالم، مسؤول سابق عن المحتوى الرقمي بموقع المصريون: “يشكل هذا الاستقطاب عائقًا أمام مهمة الصحافيين الأساسية في نقل المعلومات بشكل موضوعي”.
ويضيف سالم: “يتشكك جيل اليوم في وسائل الإعلام التقليدية، ما يزيد من صعوبة إيصال الحقائق إلى الجمهور”. وتشير نتائج استطلاع رويترز لهذا العام إلى إيمان قوي بقيمة الصحافة، مع وجود قدر كبير من عدم اليقين بشأن مستقبلها.
ويرجع هذا التشكك إلى توقعات بحدوث موجة ضخمة من الاضطراب التقني، ما قد يؤثر على دور الصحافة في المجتمع.
ويشير سالم إلى تراجع أولوية الأخبار في منصات التواصل الاجتماعي الرئيسة مثل فيسبوك وX خلال العام الماضي.
ويختتم سالم بالقول: “يجب على الصحافيين التكيف مع هذه التغييرات والتحديات من خلال استخدام أدوات جديدة وتطوير مهاراتهم”.