العدد 5650
الأربعاء 03 أبريل 2024
banner
أميركا.. أبعاد أزمة هويات تاريخية
الأربعاء 03 أبريل 2024


على بعد بضعة أشهر من رئاسة أميركية جديدة، تبدو الولايات المتحدة الأميركية، في حالة غير مسبوقة من الانقسام والتشظي بين الأميركيين وبعضهم البعض، ويرجع عدد كبير من المراقبين الأمر لحالة الخوف التي تنتاب الرجل الأبيض، الواسب، أي البروتستانتي الأنجلوساكسوني، من أن يصبح أقلية عددية بحلول عام 2024. والشاهد أنه إن مضت أميركا في هذا التحول الديموغرافي، فإن فكرة رئيسة قامت عليها البلاد ستكون في مهب الريح، ذلك أنه لن تصبح الولايات المتحدة الأميركية فيما بعد، بوتقة انصهار لجميع الأعراق، ولكل الملل والنحل من حول العالم، ولن تعود فلسفة حساء الطماطم الشهيرة الفكرة المرجحة، بل لوحة الفسيفساء، وفيها يحتفظ كل مكون بذاته، ولا يندمج بشكل مطلق مع الآخر.
الرؤية المتقدمة تضعنا في صلب الأزمة الأميركية الفكرية، ومنها يمكن للمرء أن يتفهم عمق النزاع الحادث، بين أميركا البيوريتانية، تلك التي تمضي في إثر روح الآباء المؤسسين، والذين عملوا جاهدين للحفاظ على أمتهم، كمدينة فوق جبل، وكمثل أرض "كنعان الجديدة"، من ناحية. ومن ناحية ثانية، نجد هناك التيار الجاكسوني، ذلك الذي يعني أن يحتفظ كل عرق من أعراق أميركا بهويته الأصلية، بل وربما يفضل حاضنة بيئية مكانية تميل أكثر إلى فكرة التجمعات العرقية، وفلسفة الغيتوهات. ولعله من الطبيعي جدا أن تطفو على السطح أزمة اللسانيات في الداخل الأميركي، والمعروف تاريخيا وفي مختلف الحضارات البشرية أن اللغة هي لسان الأمم والشعوب والمعبرة عن كيانها والعاكسة لثقافتها. هنا تبدو إشكالية أميركية أخرى تعمق الشرخ وهي صراع اللغة، فخلال الفترة الزمنية من 2020 إلى 2030، سيزداد حضور اللغة الإسبانية، والتي ستمتد من تكساس حتى كاليفورنيا، وهذه ستقود حكما إلى تعظيم مسألة الانقسام المجتمعي بين سكان المدينة الواحدة، فالبيض والأغنياء ستراهم يسكنون شمال المدينة، فيما الأميركيون الآخرون سيتقاسمون الجنوب، ما بين مربعات للسود، وأخرى لأصحاب الأصول الإسبانية، وربما جزء ثالث لمن هم من جذور آسيوية، فيما الكارثة الكبرى، أن تلك الجماعات التي تعبر عن طبقات حضارية إنسانية، لن ترتاح إلى بعضها البعض من منطلق هوياتي، الأمر الذي يقود إلى تأكيد فشل أميركا في خلق نموذج للتعايش السلمي بين المواطنين من مختلف الأعراق والأجناس.
مؤخرا وفي حديث إذاعي له أشار المؤرخ الألماني "هاينريش فينكلر"، إلى أن: "الولايات المتحدة في أزمة اجتماعية عميقة بسبب مخاوف الإحباط لدى شريحة من السكان"، والثابت أن هذا صحيح، وإن كان الرجل رقيقا في توصيف المشهد، إذ إن الأمر لا يتوقف عند شريحة بعينها، والقضية تجاوزت الإحباط.
في مؤلفه "كيف تموت الديمقراطيات"، يتحدث الخبير السياسي الأميركي "دانيل زيبلات"، عن ما يسميه "ثقافة الحوار التي تعاني من انهيار طويل تجاه الاعتراف بالآخر في الداخل الأميركي".
هل هذأ الانقسام العرقي يمكن أن يقود إلى انفراط عقد الاتحاد الأميركي، وبلسان آخر، هل يمكن للجذور الثقافية أن تفكك أميركا، بأكثر من مواجهة حرب عالمية؟
مؤخرا كتب "ألين ويست"، زعيم الحزب الجمهوري في تكساس داعيا إلى تشكيل اتحاد ولايات، يلتزم بمبادئ الدستور الأميركي ردا على قرار المحكمة العليا الأميركية رفض المطالبة بمراجعة نتائج الانتخابات الرئاسية 2020. مشهد آخر يؤكد خطورة الانحلال الفكري والثقافي الأميركي تمثل في تشكيل ولايات "أوريغون وكاليفورنيا وواشنطن" تحالفا من ولايات الغرب للتعامل بصورة مستقلة عن المركز الفيدرالي في واشنطن".
قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة تساءل عراب العولمة "توماس فريدمان".. هل أميركا مقبلة على حرب أهلية ثقافية؟
ربما أميركا بحاجة إلى أبراهام لنكولن جديد ينهي انقساماتها الفكرية مرة أخرى كما فعل من قبل.

كاتب مصري خبير في الشؤون الدولية
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية