العدد 5637
الخميس 21 مارس 2024
banner
استذكار النعم
الخميس 21 مارس 2024

قبل يومين، وقبل أذان المغرب، خرجت بسيارتي إلى "السوبرماركت" لشراء بعض متطلبات الفطور البسيطة، وفي الطريق، لفت انتباهي سيدة ستينية، تجلس على كرسي بالقرب من الرصيف، وأمامها طاولة خشبية تحمل "قدور" معدنية، مكتوب عليها بملصقات بدائية: كباب، لقيمات، سمبوسة، محشي.

تطلعت لساعتي، فرأيت المتبقي على الأذان إيذانا بالإفطار هو 20 دقيقة فقط، ركنت السيارة على جنب، ونزلت إليها، واشتريت "النصيب"، ثم سألتها مبتسماً عن موعد عودتها إلى المنزل، فقالت بصوت منهك "لما الله يسهل وابيع اللي عندي".

انصرفت وأنا أفكر بها وبحالها، وبعد أن قدت سيارتي لأقل من نصف دقيقه، رأيت رجلا كبيرا بالسن، وهو يعرض بدوره على طاولة متوسطة الحجم، أنواعا مختلفة من المناديل الورقية، منتظراً الرزق، والذي لن يتأخر عليه بإذنه الله تعالى.

غرقت بالتفكير أكثر، وأكثر، وأنا أفكر بهما، وبمن مثلهم، ممن يعملون بهذا العمر المتأخر، بهذه التجارات البسيطة، ذات العوائد الأبسط، وكيف أنهم يقدمون لنا دروساً في العفة، والكفاح، والصبر على الابتلاءات، والأهم الرضا بالرزق، والمقسوم.

تذكرت أيضاً -وبشكل مناقض- من لا يقدرون النعم، من الزوجات، والأولاد، بزمن تكالب فيه الغلاء، وقسوة الحياة، ومرارتها، وضنكها، على الأب المغلوب على أمره.

واستذكرت كذلك من يرون وبحسد أرزاق غيرهم، ويتمنون زوالها، ولا ينظرون من هم أقل منهم، في المسكن، والملبس، والمأكل، والصحة، وفي كافة نواحي الحياة.

هذه المشاهد، بكل تناقضاتها، ومراراتها، وحلاوتها، هي دروس بليغة في الحياة، وفي الصبر، والأخلاق، ولكن لمن يتعظ منها، وينظر للنعم التي بيده جيداً.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية