العدد 5614
الثلاثاء 27 فبراير 2024
banner
فرص وتحديات مشروع رأس الحكمة بين الإمارات ومصر
الثلاثاء 27 فبراير 2024

ابراهيم جلالتباينت تقديرات المحللين لصفقة رأس الحكمة بين الإمارات ومصر، بدت الأسئلة الأكثر أهمية تدور حول ما يتعلق بتأثيرات الصفقة اقتصاديًّا على المديين القريب والبعيد، والأفق الذي ستذهب إليه شهية صناديق الخليج ومستثمريه لاقتناص فرص مماثلة بمصر.
 اكتنف الصفقة في بداياتها غموض كبير، سببته تسريبات صحافية من أحد المذيعين المقربين من الحكومة، بوجود صفقة مليارية ضخمة بين حكومتي البلدين، ما أثار تكهنات حول ما إذا كان الأمر محض شائعة، لكبح جماح الدولار الصاعد بوحشية ملتهمًا مدخرات المصريين، مسببًا هبوطًا فادحًا للجنيه، بلغ وقت التسريب نحو 75 جنيهًا، فيما سعره الرسمي نحو 30 جنيهًا.
 عقب التسريب، الذي تداولته فضائيات عدة، هبط الدولار بالفعل ومعه بقية العملات الخليجية بنسب اقتربت من الربع، ليصل لحدود الخمسين جنيهًا، قبل أن يرتد للخمسة وستين جنيهًا للدولار في غضون أيام، حينما لم تعلن أي جهة تصريحات رسمية تخص الصفقة.
عقب مرور نحو أسبوع، فوجئ المصريون الخميس الماضي بشريط أخبار عاجل بالفضائيات ومواقع الإنترنت تؤكد قرب صدور بيان هام عن مجلس الوزراء للشعب المصري، مصحوبًا بأغان وطنية، ثم خرج بيان دون تفاصيل، يتضمن كلامًا عامًّا عن أكبر صفقة استثمارية بين الحكومة وكيانات استثمارية.
 وسط هذا الضباب، خرجت تسريبات صحافية تقول إن الحكومة لم تتوصّل بعد لاتفاق نهائي مع المستثمرين الخليجيين، الذين رجحت التسريبات الصحافية وقتها أن يكونوا إماراتيين يتفاوضون بشأن صفقة رأس الحكمة.
قبل أن تمر 24 ساعة على البيان، عقد رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي مؤتمرًا صحافيًّا يوم الجمعة على غير العادة، وأعلن خلاله تفاصيل الصفقة كالتالي:
إنشاء شركة بين الجانبين تساهم فيها مصر بنسبة 35 %، والباقي للجانب الإماراتي.
قيمة الصفقة 42 مليار دولار، تساهم فيها مصر بالأرض والإمارات بالمال.
جانب من الاستثمارات الإماراتية هو تنازل عن قيمة وديعة بنحو 11 مليار دولار موجودة أصلًا بالبنك المركزي المصري، فيما يعد مبادلة للديون، وهو ما اتفق عليه بيانا الجانبين.
ويؤكد الخبير الاقتصادي إبراهيم جلال في حديثه لـ”البلاد” أن الصفقة الأخيرة مهمة جدًّا، وتنطلق من حقيقة أن مصر تتمتع بفرص استثمارية هائلة، بفضل كونها سوقًا هو الأكبر حجمًا في المنطقة.
ولفت إلى أن الاستثمارات الخليجية التي بلغت مؤخرًا نحو 12مليار دولار، لم تخسر في حقيقة الأمر بفعل انخفاض قيمة الجنيه، فهي تحتفظ بقيمتها وخاصة مع ارتفاع قيمة تلك الاستثمارات واحتفاظها بالأصول.
تأثر السوق على المدى القريب:
سرعان ما أحدث البيان أثرًا سريعًا في السوق الموازي للعملات الأجنبية، فهبط بنسب كبيرة تراوحت التقديرات حول السعر الجديد، ما بين 40 إلى 60 جنيهًا مقابل الدولار، دون تنفيذ حقيقي على الأرض، وسط تعطش نهم للدولار لحل أزمات الاستيراد والديون والمستحقات.
 كانت الأرقام الأوضح لسعر الدولار لدى العقود المستقبلية بالخارج للجنيه المصري بعد الإعلان عن الصفقة، حيث ارتفعت أسعار السندات المصرية وانخفض العائد، كنتيجة طبيعية، بحيث وصل متوسط العائد لمستوى 11.4 %.
يُعزى ذلك إلى توقعات المستثمرين بتدفقات أجنبية كبيرة إلى مصر.
التحديات على المديين المتوسط والبعيد:
 يرى محللون أن مصر حصلت على قبلة حياة للاقتصاد المتدهور من أشقائها في الإمارات، بقرار سياسي مساند في المقام الأول وليس اقتصاديًّا، كما حدث من دول الخليج بذات الدوافع عام 2015، حينما حصلت الحكومة على أضعاف هذا الرقم، لتهبط قيمة العملة في العام التالي من 8 جنيهات للدولار إلى 19 جنيهًا للدولار، ما دفع الخبراء لتقديم النصح للحكومة لتفادي عثرات المرات السابقة، وتتلخص في ضرورة المسارعة بعلاج تشوهات سعر الصرف بسبب متأخرات البضائع ومدفوعات شركات البترول وأرباح المستثمرين المحتجزة، وبيانها كالتالي:
- متأخرات بضائع موجودة في الموانئ بقيمة (14 مليار دولار)
- مدفوعات مطلوبة على الحكومة لشركات البترول بقيمة (7 مليار دولار)
- أرباح محتجزة لمستثمرين بقيمة (6 مليار دولار)
الاستعداد لسداد فاتورة استيراد 70 مليار دولار وخدمة الدين 20 مليار دولار.
ضرورة سحب سيولة نقدية بالجنيه المصري بالبنوك للحد من التضخم، كانت البنوك قد جمعتها بشهادات ادخار ذات عوائد ضخمة.
التشديد على قدرة المركزي والبنوك على مجاراة طلبات السوق من العملات الأجنبية، دون اللجوء إلى إجراءات صارمة.
إنهاء حالة التغول المالي الحكومي التي سببت الأزمة.
من المهم أيضًا أن يتم إشراك جميع أصحاب المصلحة في عملية صنع القرار، بما في ذلك المواطنين والشركات والخبراء الاقتصاديين.
وهناك قلق من أن تلتهم تلك الأرقام السابقة الاستثمارات المقبلة، لتدخل البلاد في نفس الدائرة، إلا أن الأمل في أن تنتظم تحويلات العاملين في الخارج، على سعر عادل للدولار، مع تدفقات أجنبية في آخر العام بعد انتهاء دورة التشديد في أمريكا.

ولفت الخبير الاقتصادي إبراهيم جلال إلى أن الاستثمارات الخليجية التي بلغت مؤخرًا نحو 12مليار دولار، لم تخسر في حقيقة الأمر بفعل انخفاض قيمة الجنيه، فهي تحتفظ بقيمتها وخاصة مع ارتفاع قيمة تلك الاستثمارات واحتفاظها بالأصول.
وأشار إلى أن عددًا من الشركات الخليجية واجهت مؤخرًا مشاكل في تحويل الأرباح بالدولار، لتشدد البنك المركزي المصري في هذا الملف، وهناك مصارف خليجية استطاعت أن تخلق تحوطًا لأصولها التي أقرضتها بالجنيه، عن طريق الاستثمار بالدولار في الودائع الدولارية والسندات، مثلما فعل البنك المصري الخليجي كنموذج مصغر لمناخ الاستثمار المتنوع في القاهرة، والذي جذب اقتصاد مصر مساهماته على: 20 % استثمار كويتي و20 % استثمار سعودي و20 % استثمار قطاع خاص مصري و20 % للحكومة المصرية متمثلة في شركات التأمين، والمتبقي أسهم مغلقة في البورصة.
وأكد الخبير الاقتصادي تحوط بعض المستثمرين الخليجيين ضد تقلبات سعر الصرف بشراء العقارات المصرية، وهو ما أفاد الشركات الخليجية، ويجعل من الاستثمار العقاري - كما حدث في رأس الحكمة - استثمارًا آمنًا.
 وأكد أن الأعمال أصبحت أقل كلفة، لانخفاض العملة، ما يدفع المستثمرين لاتخاذ قراراتهم، لا بشراء العقارات فقط كأصل تحوطي مقابل تذبذب العملة، بل الدخول في القطاعات الصناعية والمصرفية، مع القطاع السياحي الذي يأتي في المركز الثالث من حيث الحجم، فمثلًا تستثمر السعودية في القطاع الصناع ملياري دولار، والإنشاء مليار دولار، ومثلها للسياحة، ويأتي القطاع التمويلي بالمرتبة الرابعة بـ700 مليون دولار والمتبقي لقطاعات أخرى.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .