العدد 5587
الأربعاء 31 يناير 2024
banner
مع المفكر الفرنسي جاك بيرك
الأربعاء 31 يناير 2024


جاك بيرك(  1910- 1995) هو واحد من أشهر المستشرقين والمستعربين الفرنسيين الذين لعبوا دوراً مهماً في تعزيز العلاقة بين الثقافة الفرنسية والثقافة العربية، وإن كان يرفض نعته بصفة "مستشرق"  أو "مستعرب، وهو إلى ذلك يجيد بطلاقة التحدث باللغة العربية، وكانت تربطه علاقة مميزة مع طه حسين وزوجته سوزان بريسو، وهو من مواليد الجزائر قبل تحررها من الاستعمار الفرنسي، لكنه تثقف بعدئذ على ثقافة تدين استعمار بلاده للبلدان التي وقعت تحت سيطرتها الاستعمارية،ودان سياسات بلاده تجاه القضايا العربية المعاصرة وعلى رأسها القضية الفلسطينية ، وحمّلها مسؤولية تردي العلاقة بين فرنسا وشعوبنا العربية، لكنه بالرغم من شغفه وعشقه اللامحدود للثقافة العربية الإسلامية ظل محافظاً على ثقافته الفرنسية وعلى ديانته  الكاثوليكية ، تماماً كما هو حال طه حسين الذي ظل معتزاً ومحافظاً على انتمائه العربي الإسلامي رغم ولعه بالثقافة الفرنسية، وكان بيرك يتمتع بمكانة متميزة لدى النخبة المثقفة العربية، كما كان يشيد بعلاقته بالرئيس المصري والزعيم العربي الراحل جمال عبد الناصر،وأصدر أزيد من ثلاثين كتاباً تتناول التراث العربي الإسلامي والثقافة العربية المعاصرة ومن بينها "إعادة قراءة القرآن الكريم" وترجمة القرآن الكريم و " العرب من الأمس إلى الغد"  و" الداخل المغربي"  و "مذكرات الضفتين" الذي انتقد فيه الدراسات الغربية المتعالية على الشعوب الشرقية من داخل مكاتبهم العاجية دون الاحتكاك والتعايش  مع هذه الشعوب ونخبها المثقفة.
وما يهمنا هنا هو تلك العلاقة المميزة التي كانت تربط جاك بيرك بعميد الأديب العربي طه حسين، ولعل قصة اقتراحه على زوجته سوزان بريسو بعد وفاته بأن تكتب مذكرات حياتها الزوجيه مع الراحل الكببر،تلقي الضوء على علاقة بيرك التقديرية لها وما يكنه أيضاً من إعجاب وتقدير كبير لزوجها،وهذه القصة يوردها السينمائي والمترجم والأديب السوري بدر الدين عرودكي في مقدمة تلك المذكرات التي صدرت بعنوان"معك"، وكان بيرك هو من اقترح على زوجة طه حسين بأن يترجم عروردكي كتابها، وأن يراجعه المفكر المصري محمود أمين العالم،ولم يأتِ اختيار بيرك لهذين الرجلين اعتباطياً، فالأول كان تلميذ دراسات عليا عنده، وأشرف على رسالته لنيل للدكتوراه، أما الثاني فيبدو قد ارتبط بعلاقة صداقة معه خلال منفاه في باريس في السبعينيات وأوائل الثمانينيات، وحيث أسس العالم مع رفيق دربه ميشيل كامل مجلة " اليسار العربي"، فيما رغبت سوزان من جانبها أن تقوم "دار المعارف" بإصدار الكتاب، باعتبارها الدار التي كانت تتولى معظم إصدارات كتب زوجها. 
وكما يذكر عروردكي في مقدمة الكتاب، كان جاك بيرك أُستاذ التاريخ الاجتماعي والحضاري للعالم العربي في " الكوليج دو فرانس" قرر بعد عامين من رحيل طه حسين تخصيص سنتين من درسه الإسبوعي لدراسة طه حسين ودوره في تاريخ الثقافة العربية المعاصرة.(سوزان طه حسين، معك، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، الطبعة الأولى 2015، القاهرة، ص 7).  
وكما يروي عروردكي أيضاً فقد رتّب مؤنس طه حسين لقاء في باريس بينه وبين والدته سوزان طه حسين  لبحث مشروع ترجمة كتابها بعد أن فرغت منه، وكانت تريد أن تنجز هذه الترجمة بأسرع وقت ممكن، لأنه كان يساورها قلقاً، لتقدمها في في العمر أن ترحل عن عالمنا قبل أن ترى الكتاب مترجماً ومنشورا بالعربية، وموزعاً في مصر والعالم العربي. فقام عروردكي -كما يروي-  بترجمته في أشهر معدودات، فيما قام محمود أمين العالم بمراجعته، وأشرف على متابعة النشر الدكتور محمد حسن الزيات (زوج ابنتها آمنة).وصدر الكتاب في طبعته الأولى عن دار المعارف، طبقاً لرغبة مؤلفته، لكن المفاجأة التي جرت بعد صدوره، كما يستطرد، إذ أن الغلاف لا يحمل اسم المترجم ولا المراجع، ولا في صفحة العنوان الأولى الداخلية أيضاً. وهو ما جرى أيضاً حينما نُشرت الفصول الأولى من الكتاب في أول عدد من مجلة" أكتوبر" التي أسند الرئيس الراحل أنور السادات رئاسة تحريرها للكاتب الصحفي المرحوم أنيس منصور!
وقد تم تلافي هذا العيب في حق الرجلين في بعض الطبعات اللاحقة، ومنها الطبعة الصادرة عن مؤسسة هنداوي الآنفة الذكر، وطبعة أُخرى أصدرها المركز القومي للترجمة في عام 2009، حيث تم تثبيت اسميهما- عروردكي والعالم-  بشكل واضح وبارز على غلاف هاتين الطبعتين.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .