العدد 5583
السبت 27 يناير 2024
banner
من مستجدات القضية الفلسطينية
السبت 27 يناير 2024


في غمرة انشغالاتي القرائية والبحثية اقتنصت خلالها استراحتين لحضور فعاليتين مؤخراً تتعلقان بحرب الإبادة الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة، الأولى نظمها مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة واستضاف فيها الشخصية القيادية الفلسطينية نبيل عمرو، وكانت بعنوان "القضية الفلسطينية وتطوراتها"، والثانية نظمتها جمعية المنبر التقدمي، واستضافت فيها الإعلامي محمد فاضل العبيدلي، وكانت بعنوان "المثقفون العرب والعدوان الصهيوني"، ورصد فيها أبرز مواقف المثقفين العرب على الصعيدين الفردي والجماعي المشترك تجاه العدوان. وحيث إن عنوان المحاضرة بدا متشابهاً مع عنوان مقال سابق لي نشرته "البلاد" بتاريخ 23 ديسمبر الماضي بعنوان "المثقفون العرب والقضية الفلسطينية"، فلا حاجة بي هنا لإعادة ما أدليت به من ملاحظات في مداخلتي بعد المحاضرة، والتي هي ذاتها ما أوردتها في مقالي المذكور.
أما فيما يتعلق بنبيل عمرو الذي أتابع كتاباته منذ أوائل التسعينيات بانتظام، ومن ضمنها مقالاته في صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية، فضلا عن المقابلات التلفزيونية التي تُجرىٰ معه، فإنك قد تختلف أو تتفق مع الرجل في هذا الجانب أو ذاك الجانب في آرائه ومواقفه من قضية شعبه الوطنية، لكنك لا تملك سوى احترامها، حتى لو تعارضت مع قناعاتك، فهو متحدث لبق صاحب حجة ومنطق متماسك في تحليلاته، وقد عركته التجارب التي مرت بها الثورة الفلسطينية من انتصارات وانكسارات منذ تفجيرها في الأول من يناير 1965 على يد الفصيل الذي ينتمي إليه "فتح". وبدا عمرو من استعراضه لتطورات القضية الفلسطينية والحرب على غزة متابعاً جيداً لها عن كثب، وسرني أن الكثير من النقاط التي تناولها سبق أن تطرقت إليها في مقالاتي السابقة منذ بدء العدوان في السابع من أكتوبر الماضي، ومنها دور القنبلة الديموغرافية الفلسطينية في إفشال مخطط الإبادة الجنوني، والأداء الإعلامي الوطني المشرّف للمراسلين الفلسطينيين الذين وصل عدد الشهداء منهم إلى نحو 120 شهيداً، ومما يُحسب له في عرضه تجنبه الخوض في الخلافات الفلسطينية الداخلية، لا بل أبدى تأثره لصمود وتضحيات وائل الدحدوح، سيما بعد استشهاد ابنه، بغض النظر عن انتمائه الفصيلي، وهذه الخصلة الإنسانية وجدناها أيضاً في التعاطف العربي والعالمي مع خالد نبهان صاحب مقولة "روح الروح" عند تسليم حفيدته للتكفين.
وفي المقابل تميزت التصريحات الإعلامية لحركة "حماس" منذ بدء الحرب بتجنب الإشارة في الغالب إلى الخلافات بينها وبين فتح والسلطة الفلسطينية، لا بل إن من يتمحص جيداً في العديد من تلك التصريحات على ألسنة قيادييها يلمس اعترافاتها الضمنية بالأخطاء التي ارتكبت خلال عملية "طوفان الأقصى"، وهذا ما لمحت إليه الوثيقة التي أصدرتها الحركة قبل أيام بعنوان "هذه روايتنا.. لماذا طوفان الأقصى؟" باللغتين العربية والإنجليزية، وبدت من هذه الوثيقة هذه المرة تخاطب الرأي العام العالمي متوخيةً قدراً من الاعتدال، ونفي استهدافها المدنيين في عملية "الطوفان" التي حاولت إسرائيل استغلال ما ارتكب فيها من أخطاء أبشع استغلال، وقد شغل هذا الدفاع عن نفسها حيزاً كبيراً من نص الوثيقة. وإذا كان الشيء بالشيء يُذكر، فإن التصريح الذي أدلى به مؤخراً الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية مصطفى البرغوثي في وصفه ما يقوم به الحوثيون من استهداف للملاحة الدولية عند مضيق باب المندب بأنه "رائع" هو تصريح مؤسف لا يخدم القضية الفلسطينية، فهؤلاء إذ يصرون باسم نصرة الشعب الفلسطيني في القطاع يُحمّلون شعبهم فوق طاقته، هو الذي زُج واستنزف في حرب أهلية طويلة أكلت الأخضر واليابس، كما يصرون على الدخول في معركة مسلحة غير متكافئة مع القوتين العظميين، أميركا وبريطانيا، دون توخي ما قد تنتج عنه تطوراتها من عواقب خطيرة. وما ينطبق على الحوثيين ينسحب على الميليشيات المسلحة التابعة لإيران في العراق التي تستهدف باسم القضية الفلسطينية أيضاً القواعة العسكرية الأميركية في العراق وسوريا، وهو ما حذرت منه قيادات وطنية عراقية (رائد فهمي نموذجاً) استندت بدورها إلى تحذيرات أُممية (الممثلة الأُممية في العراق جينين هينست - بلاخارست نموذجا) من أن ينزلق العراق إلى صراع عسكري شامل في الشرق الأوسط. وهو المثخن بالجراح والمستنزف - كما نعلم - من تبعات كوارث الحروب الخارجية وفساد المحاصصات الطائفية المتعاقبة.

كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية