العدد 5582
الجمعة 26 يناير 2024
banner
التوحّد... والعيش معًا
الجمعة 26 يناير 2024

حقّقت مملكة البحرين، مقارنة بغيرها من الدول، خطوات عملاقة في جهود دمج الأطفال والشباب ذوي الصعوبة في السلوك والتواصل في المدارس الحكومية وفي مواطن الشغل، بفضل التعاون المحمود بين مختلف الوزارات ذات العلاقة والمؤسسات الاقتصادية والمراكز التربوية المتخصّصة، وعلى رأسها مدرسة ومركز عالية للتأهيل برئاسة الدكتورة الشيخة رانية بنت علي آل خليفة.
ويشكّل موضوع دمج الأطفال التوحّديين خصوصا وذوي الصعوبات في السلوك والتواصل عموما، وكذلك الشباب منهم، أحد أبرز الملفات التي تشغل كل مسؤول بقدر ما تشغل أولياء أمور هذه الفئة من مجتمعنا، وتطارحنا هذه القضية بمناسبة الندوة الشهرية التي أقامها مجلس جابري هذا الأسبوع؛ حيث قدّم السيد فتحي عبدالرحمن مطر عضو مجلس إدارة مركز عالية للتدخل المبكر مداخلة عن التوحد والتعايش، ولم يكن تزايد عدد هذه الحالات في السنوات الأخيرة سبب طرح هذا الموضوع (1286 حالة في مملكة البحرين بحسب إحصائيات 2023)، ذلك أنّ الموضوع جدير بالتدارس حتى لو كان بيننا عدد قليل جدا من هذه الفئة؛ فحقوقهم المواطنية تفرض علينا التفكير معا لإيجاد الحلول الكفيلة، ليتمتّع كل الأطفال وعلى قدر المساواة بالطفولة والحياة الكريمة في هذا البلد الطيّب. إنّما تناولنا هذا الموضوع لمزيد رفع الوعي به؛ إذ إنّ أيّة مقاربة لهذه القضية تقتضي أولا العناية بالمفهوم، فالتوحّد لدى جلّ المتخصّصين ليس مرضا، إنّما هو صعوبة في السلوك والتواصل على مستويات متفاوتة (طيف)، فإذا استقرّ في وعي المجتمع هذا المفهوم ستتحوّل النظرة إلى هذه الفئة - وكذا التعامل معها - من مجرّد الإشفاق على شخص مريض ننتظر اكتشاف العلاج المناسب لشفائه، إلى اعتباره جزءا من المجتمع "مختلفا" نوعا ما في السلوك والتواصل، وهو ما يقتضي أن نكيّف أنفسنا في التعامل معه لا أن يتكيّف هو في التعامل معنا.
لا شكّ أنّ العلوم تطوّرت لتكشف لنا خصوصية هذه الحالات بعد أن كانت في الماضي تصنّف كلها ضمن خانة المعوق ذهنيا أو حركيا، لكنّ التقدم العلمي ولا سيما في البحوث الطبية والنفسية والعصبيّة ميّز الأطفال ذوي الصعوبة في السلوك والتواصل عن غيرهم، وتهيّأت لهم أسباب التعلّم والتدريب لنكون معا بالرغم من إقرارنا بالاختلاف.
وإذا كان "التعلم من أجل العيش المشترك"، من أبرز المقاصد الجوهرية الأربعة للتعليم كما حددها تقرير "جاك ديلور" الشهير والمعروف باسم "التعلم ذلك الكنز المكنون"، والصادر عن اليونسكو سنة 1996، فإنّ للمدرسة الدور الكبير في تحقيق هذا التعايش بإدراج الحديث عن هذه الفئة في السياقات المدرسية المناسبة، وكذلك بالتدريب العملي للمعلمين والمشرفين والطلاب على كيفية قبول الآخر/ التوحديّ، بوصفه واحدا معنا يحظى بالحقوق نفسها.
ولا شكّ أنّ تدريب الأسر الحاضنة لهذه الفئة تحصيل حاصل كما يقال، غير أن الاهتمام بتدريب أطراف أخرى في المجتمع صار ضرورة ملحة كتدريب الشباب المتطوع لتنظيم الفعاليات الترفيهية والثقافية للأطفال ذوي الصعوبات السلوكية؛ إذ إنّ عددا لا بأس به من الشباب البحريني يتطوّع لهكذا واجب اجتماعي، لكن تنقصه الخبرة الكافية في كيفية مرافقة فئة التوحديين في الحياة العامة. وكذلك رجل الأمن الذي قد يجد نفسه أمام طفل أو شاب توحديّ مخالف للقانون، فهل يتعامل معه وفقا الأنظمة واللوائح المنظمة لعمله أو بشكل مختلف؟. 

كاتب تونسي ومدير تحرير مجلة البحرين الخيرية

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية