العدد 5575
الجمعة 19 يناير 2024
banner
يحدث مرّة أخرى
الجمعة 19 يناير 2024


يتواصل الضغط الهائل على سكان غزة من أجل تهجيرهم من بيوتهم وأراضيهم، ويستمر العدوان الإسرائيلي الغاشم على الأطفال والنساء والشيوخ، ولا يكاد القصف الوحشي يتوقّف إلا ليبدأ من جديد، بل قل إنّ المجزرة تستمرّ بحق الفلسطينيين في ظل تواطؤ رسميّ عالمي من الدول الأوروبية في ظل حضارة غربية تدّعي حماية حقوق الإنسان وتحتكم إلى المعاهدات الدولية، بل وتحاسب أية دولة - غير إسرائيل طبعا - تخالف هذه المعاهدات والحقوق الإنسانية الكونية.
نعم، يستمرّ كل هذا بعد أكثر من 100 يوم من العدوان بالرغم من ارتفاع صوت الاحتجاجات الشعبية العالمية المنادية بوقف العدوان ومحاسبة هذا الكيان، لكنّ صوت شعوب العالم لا اعتبار له في هذه المنظومة الدولية الجديدة. فكم سيتحمّل أهل غزة هذه الظروف القاسية وقد خلّف هذا العدوان حتى الآن زهاء 24 ألف شهيد ونحو 60 ألف مصاب معظمهم من الأطفال والنساء، ودمارا هائلا في البنية التحتية وكارثة إنسانية غير مسبوقة، وفقا لسلطات القطاع والأمم المتحدة. كم سيتحمّلون وقد ازدادت حالة النازحين سوءا مع حلول فصل الشتاء بعد أنْ هُجِّروا قسرا من بيوتهم؛ فسكان القطاع يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وقد بات مئات الآلاف منهم بلا مأوى، وتذكُر الأونروا أنّ مليونا و900 ألف نزحوا من منازلهم بغزة منذ 7 أكتوبر 2023، منهم 1.4 مليون نازح يقيمون في 155 منشأة تابعة للأونروا ونحو 500 ألف نازح يعيشون قرب المنشآت التابعة لها لعلّهم يستفيدون من مساعداتها الشحيحة.
إن تدمير حوالي 70 % من المنازل في قطاع غزة يجعل مصير مليونَيْ نازح مجهولاً؛ فلقد حوّل العدوان غزة إلى مدينة أشباح، وصيّرَ مناطق جنوب القطاع مدينة خيام يبذل فيها اللاجئون قصارى جهدهم ليعيشوا في ظروف تفتقر أدنى مقوّمات الحياة الإنسانية، فلا تتوفّر في تلك المخيّمات المرافق الصحية اللائقة ولا الغذاء ولا الماء ولا حتى المواد الأساسية للرعاية الصحية الخاصة بالأطفال والنساء، ولا أغطية تدفئهم من قسوة البرد الشديد والأمطار.
وبسبب اكتظاظ النازحين انتشرت الأمراض والأوبئة والروائح الكريهة الناتجة عن كثافة دخان القصف وتجمع النفايات.. وهكذا، إذا لم يمت أهلنا في غزة من القصف، فربما يموتون من الظروف غير الصحية أو من القهر على الحال التي وصلوا إليها، خصوصا أنّ الاحتلال يمنع المساعدات الإنسانية من الدخول استمراراً منه في عملية القتل الجماعي لأهالي قطاع غزة. وقد أكّدت ذلك (الأونروا)، حين صرّحت أنّ غزة تحوّلت إلى "مكان غير صالح للعيش"، بعد أكثر من 3 أشهر من العدوان على القطاع، وصارت المكان الأسوأ للعيش على وجه الأرض.
لم ننسَ انزعاج العالم "الحرّ" لمقتل عدد من الصحافيين إثر حادثة شارلي إيبدو الإرهابية، واصطفاف الرؤساء في مظاهرة حاشدة تنديدا بالإرهاب، ولم ننسَ صرخة هذا العالم أمام فظاعات (راوندا) في تسعينيات القرن الماضي وتلك القولة الشهيرة (Never Again) (لن يحدث أبدًا مرة أخرى).. لكن هاهو العالم "الحرّ" ذاته يشاهد اليوم بل ويبارك ما يحدث مرّة أخرى.

كاتب تونسي ومدير تحرير مجلة البحرين الخيرية

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية