العدد 5576
السبت 20 يناير 2024
banner
شعب الجبارين في 100 يوم
السبت 20 يناير 2024


اعتاد قائد الثورة الفلسطينية الشهيد ياسر عرفات أن ينعت شعبه المقاوم عند الملمّات الصعبة التي تمر بها الثورة بـ "شعب الجبارين"، ولشد أزرهم ورفع معنوياتهم يؤكد أن هذا النفق المظلم الذي يمرون به يرى بوضوح قبة الأقصى في نهايته، لكن هذين التعبيرين اللذين يبدوان وقتئذ من باب المجاز البلاغي تحولا إلى أقرب إلى الحقيقة خلال المئة يوم التي مرت على الملحمة الأسطورية النضالية التي اجترحها الشعب العربي الفلسطيني العظيم في قطاع غزة منذ "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر الماضي. فإذ يجمع باحثون ومؤرخون من تيارات شتى، ومن بينهم يهود إسرائيليون وغير إسرائيليين، على أن نهاية الدولة الإسرائيلية باتت أقرب من أي وقت مضى، إن بحساب السنين أو بحساب بضعة عقود، فإن المشروع الإسرائيلي ما كان له أن يقترب من نهايته، لولا المعجزات النضالية التي خاضها شعب الجبارين في قطاع غزة متحدياً آلة حرب الإبادة التي يشنها عليه جيش الاحتلال. وقد تجسدت تلك المعجزات النضالية في نماذج ومواقف لا تحصى ولا تُعد، نجدها - على سبيل المثال لا الحصر - في ملحمة جنود الإغاثة المجهولين في إنقاذ من يمكن إنقاذه من شعبهم من تحت ركام المباني والبيوت المهدمة بوسائلهم البدائية دون آليات حديثة، وجسدها أيضاً مئات الأطباء والممرضين الذين استشهد منهم كثيرون وهم يبذلون أقصى ما في طاقاتهم لإنقاذ حياة الآلاف المتكدسين في المستشفيات المدمرة، بلا كهرباء وماء، ويجرون عملياتهم بلا مستلزمات البنج والعلاج. شعب الجبارين نجد نماذجه أيضاً في عشرات الصحافيين الذين يصرون على أداء مهمتهم المهنية النضالية في وجه آلة حرب الإبادة الإسرائيلية التي تستهدفهم، عن سبق الإصرار والترصد، للحيلولة دون كشف جرائمها أمام الرأي العام العالمي، حتى ناف عدد الشهداء منهم على مئة شهيد، واختص زميلهم وائل الدحدوح بملحمة مذهلة خاصة به في الصمود والإصرار على مواصلة رسالته النضالية الإعلامية وهو جريح مكلوم بما فُجع باستشهاد عدد من أقرب أهله إليه.
إننا نجده في هؤلاء الأطفال المستهدفين لأنهم حملة الراية، وما إن يشبوا عن الطوق حتى يتصدوا لحرب الإبادة الإسرائيلية بحق شعبهم أو لفرض الاستسلام عليهم، هم الذين يعبرون عن أحلامهم كأحلام أي أطفال في العالم والمؤودة تحت عجلة آلة حرب الإبادة الفاشية، ومع ذلك فإن من تبقى منهم يصرون على أن يعيشوا سويعات من المرح واللعب في مدارس الأونروا المكتظة باللاجئين، ومثلهم الشباب الذين يقيمون حفلات أعراسهم في المدارس نفسها أو الملاجئ، وهو شكل آخر من أشكال مقاومة حرب الإبادة. ونموذج فريد آخر لشعب الجبارين يجسده الجد خالد نبهان وهو يحمل حفيدته ريم التي اُستشهدت مع شقيقها طارق، يحملها ليسلمها بكل هدوء ورباطة جأش مذهلة إلى كفّان الأطفال ليلفها بقطعة نايلون تمهيدا لمواراتها الثرى، ويودعها وكأنه لا يصدق أنه سيفتقد رؤية عينيها الجميلتين البريئتين فيفتح إحداهما ويقبلها قائلاً "هاذي روح الروح" وهو المقطع الذي هز وأبكى العديد من أُمهات وسيدات العالم. نماذج ملحمة شعب الجبارين في الصمود أكثر مما تحصى كما ذكرنا، لكن المؤكد أنه سيكون لشعب قطاع غزة سجل خاص في تاريخ نضال هذا الشعب يُكتب بأحرف من نور.

كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية