بينما كنت أحاول جاهدًا إيقاف تسريب المياه المتدفق من الأنبوب خارج المنزل بلا فائدة، وجدت نفسي في حيرة من أمري! فلا أنا أتقن هذه الأعمال ولا حتى الأبسط منها، ولا يوجد في المنزل أحد من العيال يساعدني في الأمر، وفي هذه الأثناء المفعمة بالحيرة والشعور بالتعاسة وخيبة الأمل وجلد الذات بسبب عدم اهتمامي بالتدرب على مثل هذه الأمور، وبينما الماء مستمر في التدفق.. وصل "فتك مياه". ذلك العامل الآسيوي كان يعبر على الطريق أمام منزلي فرآني وهرع إلى إنقاذي مما أنا فيه.. جاء حاملًا حقيبته وقال لي: "تنحى جانبًا يا مولاي"، فأجبته: "هلم هلم يا غلام"، وخلال أقل من عشر دقائق أوقف تسرب المياه وأخرج من حقيبة بعض المعدات والأدوات وإذا بالأمور: "بووووووت أجاه".. جدًا ممتازة.
ولأن الوقت ظهرًا، دعوته للغداء فاعتذر بلطف فكررت الدعوة "تفضل يا فتك مياه.. كل لقمة وانصرف"، لكنه كرر اعتذاره لارتباطه بمهمة عمل لدى عدد من الزبائن ولابد أن ينصرف في الحال حتى يتمكن من إنجاز مهماته، لكنه أثناء عمله وأنا أتحدث معه قال لي: "لا أدري لماذا لا يتجه العاطلون عن العمل لمهنة مثل السباكة؟ إنها تدر ربحًا وفيرًا وكل ما تتطلبه هو أن تكون مهنيًا محترفًا وتتقن العمل بأمانة وإخلاص وتنجزه بأفضل صورة.. أي زبون تتعامل معه سيضاف إلى قائمة زبائنك التي ستكبر وتكبر، وبهذا سيكون لديك عمل مستمر لا يتوقف.. كذلك الحال بالنسبة لأعمال الكهرباء والنجارة، فهذه مهن لا يعمل فيها إلا القليل من البحرينيين، ولا أدري، لماذا لا يتعلم الشباب الذين لم يكملوا دراستهم الجامعية وليست لديهم حرفة أو مهنة يجيدونها مثل هذه المهن.. صدقني.. فلووووس واجد واجد فيه".
شكرته على نصيحته وقلت له إن كل مهنة شريفة يكسب الإنسان منها لقمة عيشه هي موضع احترام، ونعتز بكل من يكسب رزقه وقوت أسرته منها. لكن قل لي "تقريبًا كم من المال تدر عليك مهنتك؟"، ولم أستغرب حينما قال "في بعض الأشهر أجمع أكثر من 1000 دينار.. ووقت عملي في يدي".. على أية حال، لم تعد الوظائف المكتبية والأعمال المعتادة في السوق تستوعب الباحثين عن عمل، لكن، ربما كان من المثالي أن يتخصص شبابنا في المهن الحرفية.. خصوصًا، تلك التي ستكون الحاجة إليها، حاليًا ومستقبليًا، كبيرة.. في القطاع الصناعي.. توجهوا إلى القطاع الصناعي يا شباب: تشغيل الآلات.. اللحام.. الصيانة.. الكهرباء.. وبرامج التدريب والحصول على الشهادات الحرفية تدعمها الدولة.. والله ولي التوفيق.
كاتب بحريني