العدد 5548
السبت 23 ديسمبر 2023
banner
المثقفون العرب والقضية الفلسطينية
السبت 23 ديسمبر 2023

على الرغم مما مر به الشعب الفلسطيني منذ 1948 من مآسٍ؛ جراء تشريده من وطنه، فضلاً عن الحروب العدوانية التي تشنها سلطات الاحتلال عليه، انتقاما من نضاله الوطني المشروع، وعلى الرغم مما بذله الفلسطينيون والعرب من جهود مضنية، بكل الوسائل الإعلامية والدبلوماسية الممكنة لشرح عدالة القضية الفلسطينية دولياً، إلا أن العالم لم يفق على مظلومية هذا الشعب وعدالة قضيته كما أفاق عليها أثناء حرب الإبادة الحالية التي يشنها الجيش الإسرائيلي منذ شهرين ونيف على أهالي غزة، والمزوّد بكل أنواع الأسلحة الحديثة الفتّاكة.
بيد أن هذه الإفاقة ما كان لها أن تتم، لولا المشاهد اليومية الموغلة في بشاعتها للحم الفلسطيني المطحون، وشلالات دماء أبناء العائلات، سيما الأطفال والنساء منهم، والذين يتم انتشالهم - جرحى وجثثاً وأحياءً - من تحت أنقاض بيوتهم المستهدفة. لكن هل فكّرنا للحظة بأن إخراج تلك المشاهد للعالم، عبر "السوشال ميديا" والفضائيات، إنما يعود الفضل فيه للمراسلين الفلسطينيين وأبناء الشعب الفلسطيني؟ فلولاهم لما عرف العالم مدى وحشية العدوان الحالي غير المسبوقة تاريخياً. فبصور وتقارير هؤلاء المراسلين التي صدمت الضمير العالمي الحي، وعجز الإعلام الإسرائيلي والغربي عن تكذيبها، وبفضل تلك المشاهد هبت المسيرات الاحتجاجية المتواصلة في دول العالم، سيما الدول الغربية الحليفة لإسرائيل. وإذا كان أغلب المراسلين الحربيين في العالم يختارون أماكن أقل خطورةً في الحروب، فإن المراسلين والمصورين الفلسطينيين غالباً ما يختارون الأماكن الأشد خطورة والأقرب لمسارح جرائم الحرب البشعة، غير مبالين بأرواحهم؛ وذلك لأن هدفهم تسليط الضوء من أقرب نقطة ممكنة على تلك الجرائم المرتكبة بحق شعبهم، متحلين في ذلك برباطة جأش مُدهشة وروح معنوية عالية منقطعة النظير. وهؤلاء المراسلون إذ يؤدون وظيفتهم الإعلامية، إنما يؤدونها بروح فدائية عالية، لعمق وعيهم بأهميتها كشكل من أشكال المقاومة الهادفة لكسب الرأي العام العالمي إلى جانب قضية شعبهم، وكذلك لتوثيق جرائم حرب الإبادة المحرمة دولياً التي يرتكبها الاحتلال بحق أبناء شعبهم.
ومن هنا أيضاً يمكننا فهم تزايد الشهداء في صفوفهم، حتى بلغ ما يقرب من 100 شهيد، ولم يكن استهدافهم عمداً، إلا لأنهم ينقلون للعالم الحقائق الدامغة لجرائم الإبادة الوحشية التي تمحق أباطيل ماكينة الإعلام الصهيوأميركي فيما يرتكبه جيش الاحتلال من جرائم يندى لها جبين البشرية. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل يقوم المثقفون العرب، وبضمنهم الإعلاميون والكتّاب، بواجبهم القومي والديني والإنساني إزاء القضية الفلسطينية بما يكفي؟ وعلى وجه الخصوص في الظرف الراهن الذي يواجه فيه الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية أخطر مرحلة منذ نشأتها، حيث يتساقط الشهداء يومياً بالعشرات أو المئات في مشاهد شديدة الوحشية وغير مسبوقة في تاريخ حروب المنطقة الحديثة؟ للأسف القول إن عددا غير قليل من الإعلاميين والمثقفين العرب مازال دورهم إما معدوما أو دون المستوى المطلوب. الأدهى من ذلك ثمة كتّاب ومثقفون سياسيون تجدهم منغمسين في قضايا أدبية وفنية ونرجسية ذاتية وخلافها، أكثر مما تقض مضاجعهم مشاهد حرب الإبادة البشعة التي يتعرض لها أشقاؤهم الفلسطينيون، دع عنك ما يفرضه عليهم الواجب المهني، ببعديه القومي والإنساني، إزاء المرسلين زملائنا في المهنة الواحدة المشتركة، والذين يواجهون يومياً بصدورهم العارية مخاطر القتل أو الإصابات الخطرة. صحيح أن من حق المثقف الإعلامي أو الكاتب أن يتناول أحياناً قضايا مختلفة، إلا أنه بالنظر للظرف الراهن بالغ الخطورة والدقة الذي يتعرض خلاله الشعب الفلسطيني الشقيق لمخاطر الإبادة وتصفية قضيته الوطنية، فإن الواجب الوطني والأخلاقي على المثقفين والكتّاب العرب، وعلى الأخص الملتزمين منهم مبدئياً - كما يُفترض - بالقضية الفلسطينية، أن يكثفوا من كتاباتهم لهذه القضية بصورة أوسع وأكثر في مراتها من سائر القضايا الأخرى التي يتناولونها.

كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .