العدد 5545
الأربعاء 20 ديسمبر 2023
banner
طه حُسين مترجماً
الأربعاء 20 ديسمبر 2023

ثمة مقولة جميلة ورد ذكرها على لسان الكاتب السياسي والدبلوماسي الأسبق مصطفي الفقي، وذلك في أحد الحوارات التلفزيونية التي أُجريت معه، وقد قيلت في شخصية الكاتب الصحفي الراحل الكبير محمد حسنين هيكل:  " إذا ألّف ترجم وإذا ترجم ألّف" وأحسب بأن طه حُسين هو واحد من طلائع المترجمين العرب المعروفين بترجماتهم الرصينة رفيعة المستوى والذين تنطبق عليهم هذه المقولة. ومع أن عميد الأدب العربي كان مُقلاً- إلى حدما- في مجال الترجمة، إلا أنك إذا ما قرأت له أي قطعة مترجمة عن الفرنسية أو الأغريقية، فإنه يبهرك على الفور بجمال اللغة العربية الذي ترجم بها النص الأصلي الأجنبي،فكأنما القطعة المترجمة كُتبت من الأصل بلغة عربية عذبة راقية، وبأسلوب مثقف أو أديب عربي كبير.ولعل خير شاهد على ذلك نجده في ترجماته الإبداعية للمآسي الأغريقية الثلاث:  "أوديب ملكاً" و"أوديب في كولونا" لسوفوكليس، وكذلك "أوديب" وهذا النص الأخير ترجمه عن الفيلسوف الفرنسي الكبير أندريه جيد. وعلاوةً على كونه مترجماً ضليعاً في علم وفن الترجمة، فقد خاض طه حسين ، بصورة غير موسعة، في الجدل حول قضايا وإشكاليات الترجمة وشروطها الإبداعية، ومن كتاباته في هذا الشأن على سبيل المثال، ما ورد في كتابيه"نقد وإصلاح" و"كلمات". ومع أن طه حسين يُعد مثقفاً "فرانكفونياً"  فإنه رفض ترجمة الآداب الإنجليزية إلى العربية عن نصوصها المترجمة إلى اللغة الفرنسية، وهذه الظاهرة يُطلق عليها " الترجمة من لغة وسيطة"، وهذا يعني ترجمة المترجم،  أي ترجمة النص المترجم عبر لغة وسيطة وليس من لغته الأصلية، وهذا ما يلجأ إليه الكثير من المترجمين الذين يجهلون لغة النص الأصلية. وقد تناول طه حسين في هذا الصدد إشكالية ترجمة أعمال شكسبير من الفرنسية بدلاً من ترجمتها مباشرة من اللغة الإنجليزية. كما ضرب مثلاً آخر على اللغتين الروسية والأسبانية، فنظراً لندرة المترجمين العرب الملمين بهاتين اللغتين-كما عبّر حسين- فقد انتقد ترجمة الكتب الصادرة بهاتين اللغتين من لغة وسيطة صدرت بالفرنسية أو الإنجليزية. أما الطامة الكبرى فهي تتمثل بوجه خاص في شبه انعدام من يلمون باللغتين القديمتين اليونانية واللاتينية في عالمنا العربي، والذين لا يتجاوزون العشرة، حسب تقدير طه حسين وقت تأليفه كتاب" كلمات".
وإذ يتفق أغلب نقاد الترجمة العرب على أن اللغة الوسيطة تضعف النص الأصلي المترجم، سيما إذا ما كان كتاباً أو نصاً أدبياً، فإنه استثنى من ذلك الترجمة الوسيطة التي حدثت  في حالة تاريخية وحيدة محددة حينما اضطر العرب في بدايات الحضارة العربية-الإسلامية إلى نقل الفلسفة اليونانية من السريانية،كما نقلوا بعض الآثار الهندية عن الفارسية. واعتبر سير المترجمين العرب المعاصرين على هذا النهج قصور ينبغي العدول عنه. على أن العميد لم يوضح لنا ماذا بشأن النصوص المترجمة من لغات عالمية أو مهمة غير معروفة بالمرة في عالمنا العربي أو لدى المترجمين العرب، ولا سيما النصوص الأدبية الإبداعية المهمة الحائزة على بجوائز عالمية،  وعلى الأخص جائزة نوبل؟ فهل يُحرم المثقف أو القاريء العربي من الإطلاع عليها، لمجرد أنها تُرجمت من لغة وسيطة؟ 
ولئن صح القول بأن عميد الأدب العربي كان مقلاً في أعمال الترجمة كما ذهبنا آنفاً، فإنه  لعب دوراً في منتهى الأهمية في تطوير وتنشيط حركة الترجمة في بلاده، فهو من مؤسسي مشروع ترجمة "الألف كتاب" التي كانت من أعظم السلاسل التي تصدرها وزارة الثقافة في خمسينيات وستينيات القرن الماضي خلال عهد الرئيس جمال عبد الناصر . 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .