لا شك أن سعي الشباب للترقي المعرفي والعلمي والأكاديمي والوظيفي أمرٌ محمودٌ، بل ومطلوبٌ في مجتمعات المعرفة واقتصاد المعرفة. بل ومن الضروري أن يحتل الشباب أرقى المناصب، خصوصا لتجديد الدماء في مختلف المواقع والدوائر والقطاعات الاقتصادية والعلمية وفي كل مكان، إذ يلعب الشباب دورا بارزا وحيويا عند احتلالهم هذه المواقع بجدارة. لكن هذا لا يعني الجري وراء الحصول على الشهادات لمجرد الزينة أو الاستعراض مع خواء في الفكر والمعرفة والمهارات، وعجز في البحث والتحليل والتأليف والإبداع، فذلك لا يفيد ولا يحقق سوى إهدار المال والوقت من دون جدوى، فالتركيز يجب أن يكون على العمق في المعرفة والتكوين وبناء الخبرات واكتساب المهارات والجدية في العمل والصبر والتحمل. أما الركض وراء الألقاب البرّاقة، بمسمياتها المختلفة فلن يبوأ الشباب مواقع متقدمة وأدوارا فاعلة، لأن تلك الشهادات الاستعراضية غالبا ما تكون من دون ناتج أو منتوج، وبلا مضمون: مجرد عناوين لبيوت خالية من السّكان. لذلك فالحصول على الشهادات الخالية من القيمة المضافة، يعتبر كاقتناء السيارات الفارهة والساعات الغالية لمجرد الاستعراض.
فلسفة يونانية
سيدة فصيحة وصوتها جميل، تقدم النصائح للنساء كل يوم تقريبا: كيف تختارين الزوج المناسب، وكيف تحافظين على زواجك، وكيف تضمنين السعادة الأسرية الأبدية، والاستقرار النفسي للأبناء.. إلى آخر تفاصيل تلك القصة المسلسلة عن عالم مثالي مُصاغ بفلسفة يونانية مثالية. المشكلة أن هذه السيدة (محترفة النصائح والتوجيه) تزوجت أربع مرات وتطلقت أربع مرات، لذلك فهي غير مؤهلة لتقديم النصح، لأنها بأمس الحاجة إلى الاستفادة من دليل الاستخدام الذي تعرضه علينا كل يوم. واضح أننا نعاني من معادلة مختلة اسمها: “أفضل الأقوال وأسوأ الأفعال”.
همس
رائعٌ أن نسكن البيوت، وأن تكون في البيوت نوافذ، لكن ما فائدة النوافذ إذا لم تكن مفتوحة على الحياة، ولا نطالع ما خلفها من ألوان وأشكال، حينها ستكون مجرد جدران بلا حياة، بلا روح كأبراج قديمة تسكنها الغربان، أو كأنهار من جليد لا نراها ولا نسمع خريرها.
* كاتب وإعلامي بحريني