العدد 5466
الإثنين 02 أكتوبر 2023
banner
كمال الذيب
كمال الذيب
في وداع الدكتور إبراهيم غلوم.. مقاومة النسيان وإعادة بناء الذاكرة
الإثنين 02 أكتوبر 2023

رحل المفكر والباحث والناقد الدكتور إبراهيم غلوم رحمه الله رحمة واسعة، فشكَّل رحيلُه خسارةً لا تُقدّر بثمن للساحتين الأكاديمية والثقافية، كمفكر عضوي ومنتج للروح والإبداع. ولعلي كنت من الذين حظوا باللقاء المستمر بالدكتور إبراهيم وهو في أوج عطائه، في سياقات ومناسبات ثقافية متعددة خلال العقود الأربعة الماضية، فشدني دائما حضوره ومداخلاته ونقده وتعقيباته وكتاباته وما فيها من عمق لافت وصراحة خارقة للعادة. وبقدر ما كانت ردوده جريئة قيمة مستندة إلى العلم، لم يكن في ذات الوقت يدعي أنه يمتلك كل المعرفة وجميع الأجوبة الجاهزة لجميع الأسئلة، بل كان يؤكد باستمرار - مثل جميع المفكرين الكبار - أنه ليس مطلوبا منه أن يقدم أجوبة قطعية ونهائية وحاسمة وجاهزة، إنما كان يحول الأجوبة الجاهزة والقناعات الراسخة إلى أسئلة حية، تُخرج الفكر من حالة الاستسلام والكسل إلى حالة اليقظة والوعي بتعقيدات الإنسان والتاريخ والحضارة والفكر. كان يؤكد أن مهمة المفكر والناقد والباحث الأولى هي تحريك الفكر وطرح المزيد من الأسئلة بإنتاج ثقافة السؤال، نقيضا لثقافة المسلَّمات، وثقافة المسكوت عنه، وكان يفعل ذلك بأفق واسع من التحليل العلمي الرصين، وبلغة علمية سواء في السياق الأكاديمي أو في سياق البحث والتأليف، أو عند الاشتباك مع الواقع الثقافي الحي.
لقد عمل غلوم على إعادة طرح سؤال العقل العربي والنقد العربي، في شرطيهما المعرفي والتاريخي، وطرح مهمة مقاومة النسيان والتغييب وإعادة بناء الذاكرة، كي يستقيم الموقف ويبطل الخلل، مستخدما علوم اللغة والاجتماع والتاريخ والنقد والأطُر الاجتماعية للمعرفة، محلِّلاً بأسلوب نقدي الأفكار أو النصوص، متقصِّيًا التحديات الفكرية والعلمية، مستخدما أدوات المعرفة الحديثة للوصول إلى الحرية التي لا توفرها الأساليب التقليدية.
وأعتقد أن أفضل تكريم لذكرى الراحل الكبير هو إعادة نشر مشروعه النقدي والفكري، وتقديمه للأجيال الجديدة بمقاربة جديدة، بما يساعدها على الإبحار دون معوقات معرفية، لأن فكر غلوم ونقده، يفتحان الباب مشرعا على نظرة جديدة وعميقة وجريئة لإيجاد مخرج من دوامة الجدل الدائر حول القضايا ذاتها منذ بداية القرن الماضي.
* كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية