العدد 5462
الخميس 28 سبتمبر 2023
banner
كمال الذيب
كمال الذيب
المثقفُ كمنتجٍ للرُّوح.. ظلال باهتة لأوهام مشاريع (2)
الخميس 28 سبتمبر 2023

المثقف حر ومستقل بالضرورة؛ إنه ذات مستقلة، يصنع الأفكار والمواقف والرؤى بما يمليه عليه ضميره الإنساني والأخلاقي، وبهذا المعنى فهو ناطق حي بلسان أمته وإنسانيته، أما إذا تحول إلى مجرد مروج ثقافة، فإنه يفقد جوهره بوصفه مثقفا منتجا للروح.
إن المثقف يفترض أن يسهم في مشروعات مجتمعية وطنية وقومية وإنسانية كبرى، لأن النزعات الذاتية والمنفعة الشخصية لا تخلق مثقفا ولا تحفز الثقافة والإبداع، فإذا انحسرت المشروعات الثقافية الكبرى التي تجمع المثقفين، انحسر معها المثقف كفرد وكذات أيضا، لقد عاصرنا انهيار المشاريع النهضوية الكبرى على الصعيدين القومي والإنساني خلال العقود الأخيرة، وسيطرت بدلا عن تلك المشاريع والأفكار النهضوية، ظلال باهتةٌ لأوهام مشاريع وخطابات النفعية المكشوفة، والتي تعاني من غياب وسيلة للتفاهم وغلبة النرجسيات، وحالات الانفصام بين مكبلات الواقع وطاقة الدفع الكامنة، حيث ينكمش المثقف على نفسه وربما يتلاشى أو ينتحر حتى، فبعض المثقفين يؤسسون برؤاهم لنوع من العلاقة مع المؤسسات الثقافية ومع العمل الثقافي الجماعي استنادا إلى القول إن المثقف لم يعد مطلوبا منه أن يغيّر العالم، بل عليه أن ينأى بنفسه عن المعترك السياسي، ويبقى بعيدا، يراقب ويلاحظ ويحلّل.. إلا أن هذا التوصيف يتناقض مع الوظيفة الاجتماعية للمثقف التي يعبر من خلالها عن التزامه بالمساهمة الفاعلة في معالجة كبريات قضايا المجتمع بما يفيده ويدفعه نحو الأفضل.
وقد يقول قائل: إن فكرة (الالتزام) قد انتهت، وتجاوزها الزمن نتيجة تغير أدوار المثقف في هذا العصر.. حيث أصبح المطلوب منه أن يكرس جهده في فهم العالم وتحليله وكشف أسراره بعيدا عن فكرة تغيير العالم والالتزام السياسي والاجتماعي، لكن الحقيقة أنه مع الإقرار بتغير الثقافة والعديد من أوجهها وقنوات تأثيرها، فإن جوهرها يظل قائما، فلا مجال لإخراج المثقف من المعركة الاجتماعية من أجل الحرية والديمقراطية والقيم المشتركة، فهو مطالب بالإسهام في مشروعات مجتمعية جماعية وطنية قومية وإنسانية كبرى، بعيدًا عن أوهام مشاريع تترجمها وتكرسها خطابات النفعية الفردية أو الانتهازية الثقافية إن صح التعبير. وللحديث صلة.
* كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية