العدد 5459
الإثنين 25 سبتمبر 2023
banner
كمال الذيب
كمال الذيب
الهرب من “الجماعي”... المثقفُ كمنتجٍ للرُّوح (1)
الإثنين 25 سبتمبر 2023

من المؤكد أن الثقافة تحيا وتتطور بتضافر الجهد الإبداعي الفردي والجهد الثقافي الجماعي والمؤسسي ببعديه الرسمي والأهلي، فبقدر ما تتسع هذه الشراكة وتتكامل وتتناسق في برامجها وفعالياتها، بقدر ما تنمو الثقافة وتزدهر، لكن عندما تتحدث إلى بعض المبدعين عن “الجهد الثقافي الجماعي” يؤكدون أنه لم يعد في وارد أولوياتهم، ففضلوا الانزواء والبحث عن مسارات فردية. بعضهم يبرر ذلك بالقول إن الإبداع عمل فردي أصلا، باعتباره “مشروعا فرديا”، وبعضهم يؤكد أنه “لا فائدة” تقريبًا من كل ما هو جماعي، وأن طوق النجاة المتبقي الانزواء و “الزهد” والهرب من الجماعة أو السير وفقا لمقتضيات السوق.
هذه ظاهرة تحتاج – ولا شك - إلى تحليل للإجابة عن سؤال مهم: لماذا يكفر بعض المبدعين بالعمل الجماعي الذي أنتج لنا روائح نفخر بها؟ ولماذا يكفرون بالعمل الثقافي المؤسسي، مع أنهم كانوا من أوائل المؤسسين؟ وفي انتظار مثل هذه الدراسة، يجب أن نقرَّ على الأقل، بأننا عندما خسرنا مناخ الحوار الحر والقبول بالنقد الموضوعي والتواضع الجميل، خسرنا عقلنا الجماعي وفعلنا الجماعي الحي والضروري للازدهار الثقافي والإبداعي، ومن هنا تورطنا في ثقافة فردية ذاتية، لا تعاني من غياب المبدعين الأفراد فحسب، بل وتعاني من غياب وسيلة للتفاهم فيما بينهم في فضاء لا يتكلم لغة مشتركة ولا تكاد تجمعه إرادة واحدة، بسبب تشتت الإرادات وغلبة النرجسيات، ولا غرابة والحال هذه أن يتراجع العمل الثقافي الجماعي وتحل محله النزعات الفردية التي لا يهمها من الحوار سوى “الشكل المظهري”.
والأسوأ من ذلك أن البعض ما يزال يعيش انفصامًا بين مكبلات الواقع وطاقة الدفع الكامنة في وجوده التاريخي، من هنا تنشأ المفارقات: محافظ يتحدث أو يكتب عن الحداثة التي لا يؤمن بها أصلا، وخرافي يتحدث عن العقلانية وهو لم يحل بعد إشكالية ارتباطه بالعقل، وآخر يهذي بالحرية وهو يبشر بالفردية المستبدة أو يبرر انتسابه لثقافة اللامعنى والهذيان، فينتج السخافة على الملأ ويسوق للتفاهة بدلا من أن يكون “منتجا للروح” والأفكار والرؤى والمواقف. وللحديث صلة.
* كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية