العدد 5455
الخميس 21 سبتمبر 2023
banner
كمال الذيب
كمال الذيب
اغتناء الحداثة بالحرية والإنسانيّة
الخميس 21 سبتمبر 2023

بنت الحضارة الغربية تجربتها للحرية على أساس ربطها بالتاريخ والفعل اليومي، وتجاوزاً لهيمنة الكنيسة وتحرير الفضاء العام من سلطتها الضاغطة على كل شيء، لذلك كانت الحرية تعني عندهم التحرّر الذي يقتضي السّيطرة على حاجات الناس والضرورات التي من شأنها أن تجعل الإنسان قادرا على ممارسة الحرية بثقة ومن دون خوف، وأن يقف في وجه الهمجية والتوحش والجهل والفقر والتخلف والخرافة والتعصب، وكذلك عدم الاكتفاء بالموقف الدّاعي إلى قصر الحداثة على الجانب المادي المظهري، وبالعكس من ذلك الذهاب إلى حداثة العقول بالتزامن مع التمدن المادي، والدليل على ذلك أن فشل مشاريع الحداثة في أغلب البلدان العربيّة يرجع إلى عدم قدرة نخبها السياسية والفكرية على استيعاب التحديث الضروري للعقول وتنويرها بالتزامن مع التحديث المادي، وعدم قدرتها على الاعتراف بأن التحديث لا يمكن أن ينجح من دون الأخذ بمقتضياته السياسية، ومنها الحرية والديمقراطية. ولذلك كان من الطبيعي أن يحدث انفصام بين الفكر والممارسة، وأن تنتصر الأصوليّة المتطرفة والحرفية السطحية والطائفية المقيتة في حياتنا، في أغلب الحالات، وتعود بنا في الغالب إلى الوراء مع كل مواجهة.
إن الحرية تحرّر يقتضي تدرّجا في السّيطرة على الضرورات. ولابدّ، هنا، أن نُدرك أنّ منطق تطوّر الأشياء يؤدّي إلى التّأثير الرّاجع إلى تطوّر العقول والذّهنيات، نفسها، لذلك فإن الموقف الدّاعي إلى قصر الحداثة على حداثة الأشياء فقط، يفاجئه دائما أنَّ الحداثة المادية تؤدِّي بالضرورة إلى حداثة العقول، وإن تدريجيا. كما أن فشل مشاريع الحداثة العربيّة، يرجع في بعض جوانبه، إلى عدم إدراك أنّ الغاية الحقيقية من أي نهوض، هي تعديل الحداثة بالحرّية، واغتناء الحداثة بالإنسانيّة. وأنه لا يمكن بناء الحرّية في سياق من الخصاصة والمرض والجهل وانعدام الكرامة وغياب التنوير وانتشار التعصب والكراهية. ولا يمكن إرساء الحداثة من دون إطلاق للإرادة، بما يعطيها دورها في صناعة التاريخ.
همس:
فوق كثبان الفجر، تهبط ُ الرُّوح مثقلةً بالحزن.
ومع الغسقِ  يتداعى الحمامُ عناقا 
في جلال الصمت لا ينتهي.
* كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .