العدد 5452
الإثنين 18 سبتمبر 2023
banner
كمال الذيب
كمال الذيب
من استعادة التوازن إلى التعافي
الإثنين 18 سبتمبر 2023

قبل نحو خمس سنوات أدى تراجع أسعار النفط بشكل دراماتيكي إلى إثارة المخاوف في البلدان التي تعتمد بشكل رئيسي على هذه السلعة لتمويل الميزانية العامة، خصوصا أن تلك الموازنات تم تصميمها على أساس تقديرات لأسعار قبل هذا التراجع المخيف، وأدى ذلك إلى تفاقم العجز المالي إلى الدرجة التي جعلت بعض الدول غير قادرة على الوفاء بأهم التزاماتها، ومن حسن التدبير أن مملكة البحرين قامت باتخاذ إجراءات استباقية وصعبة قبل أن يصبح اللجوء إليها “اضطراريا”، تقديرا لأهمية عنصر الزمن في اتخاذ القرار الذي إذا تأخر يصبح من دون أهمية.
إن الاستجابة لهذا التحدي جاءت في شكل عدد من السياسات والإجراءات الملائمة، منها برنامج التوازن المالي الذي قلص الأضرار إلى أدنى حد ممكن، لأن الرخاء الاقتصادي في ظل اقتصاد متشابك القطاعات لم يعد حالة دائمة، وبالتالي فإن انقلاب الأوضاع الاقتصادية من النمو إلى الانكماش ثم الركود، من شأنه أن يؤدي إلى أزمات اقتصادية تفضي إلى انحسار النشاط الاقتصادي، لذلك فإن اتخاذ الحكومة حزمة من السياسات النقدية لتقليل أثر الأزمة على الاقتصاد الوطني، بإعطاء الأولوية لاستكمال المشاريع ذات الأهمية الاستراتيجية والعائد الاقتصادي والاجتماعي المرتفع، من دون المساس بمكتسبات المواطنين، يعد معادلة ضرورية لربط التوازن المالي بالتوازن الاجتماعي.
إن هذا التحدي أظهر الحاجة إلى إجراء مراجعات مستمرة، وإلى تنظيم العمل الاستشرافي وإضفاء طابع الاسترسال عليه، وتعزيز التخطيط طويل المدى، بما يساعد على الأخذ بعين الاعتبار العوامل المهمة في التطورات المحلية والإقليمية والدولية، دعما للقدرات الوطنية في الاستعداد للمستقبل، والتخطيط له. هذا التخطيط الذي يقوم أيضا على الاستشارة التي تبرز طموحات المواطنين وتصوراتهم للمستقبل، وتتيح الفرصة لأهل الاختصاص والفكر والخبرة لطرح الفرضيات والاحتمالات، ثم تعزيز ثقافة التفكير الاستراتيجي، وقد أسهم هذا التوجه المدعوم بإرادة سياسية قوية وبرؤية واضحة، في رسم أهداف ملموسة مقرونة بالفعل والإنجاز، اعتمادا على الذكاء الجماعي والمقاربة العقلانية التي جعلت برنامج التوازن المالي يفتح الباب للتعافي الاقتصادي.
* كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .