العدد 5448
الخميس 14 سبتمبر 2023
banner
كمال الذيب
كمال الذيب
معادلة المحافظة والانفتاح
الخميس 14 سبتمبر 2023

تخضع الهويات الوطنية الثقافية إلى عدة مؤثرات وحتى تجاذبات مختلفة، ويتواجه فيها عاملان، هما: التفتح والمحافظة، ويستقر الأمر في الحالات العادية في نوع من التوازن أو المعادلة بين طرفي المعادلة، أي بين التحجر أو المحافظة المطلقة، وبين الانفتاح المفرط.


وتلعب الأسرة والمؤسسات التربوية والثقافية في هذا السياق دورا محوريا في بناء هذه المعادلة التقليدية في خلق التوازن المنشود بين بعدي التفتح والمحافظة الشديدة، إلا أن المؤسسة التربوية تحديدا تخضع اليوم إلى ضغوط عديدة تجعل منها محطّ الأنظار والآمال في ذات الوقت، فهي تتحرك في اتجاهات متعددة، تحت ضغط المجتمع والأسرة والإعلام في ذات الوقت، وبين التطلعات المجتمعة المتعارضة في بعض الأحيان، فالأسرة تعتبر المدرسة مسؤولةً مسئوليةً كاملةً ومتعددة عن أبنائها روحاً وجسداً ومعرفةً وقيماً وعملاً.. والمجتمع لا يزال ينظر إلى المدرسة باعتبارها حمّالة قيم وفق رؤى وأنماط وتطلعات مختلفة إلى حدّ التعارض، فيما تطلب مراكز الدراسات والبحوث والمؤسسات الاقتصادية من المدرسة أن تعمل في اتساق كامل معها لتلبية احتياجات سوق العمل من الأيدي العاملة الماهرة ومن الكوادر المتوسطة والعليا. ويمارس الإعلام، من جهته، ضغطاً مزدوجاً على المدرسة، في ظل الثورة الإعلامية المتدفقة التي تحمل في طياتها ثقافات وقيماً وأساليب حياة قد تتفق أو تختلف مع قيمنا وأساليب حياتنا وتجعل المجتمع والمدرسة مضطرين معاً إلى إعادة النظر في العديد من الجوانب المتصلة بالقيم والمهارات المطلوبة، وإعادة طرحها ومناقشتها من وجهات نظر جديدة تأخذ بعين الاعتبار أن الكمية الفائقة من المعارف والمعلومات المنقولة “رقميا”، تفوق بكثير كمية المعلومات التي ينقلها أي مدرس داخل الصف الدراسي وإن طال وامتد.


كما أن المجتمع الذي لا يمتلك أسباب قوة المعرفة وآليات التحكم فيها وتوظيفها في خدمة التنمية لن يكون بوسعه الدخول إلى حلبة التنافس في السوق العالمي للعمل والإنتاج على حدٍ سواء، ومن هنا يُطرح على المجتمع والمؤسسات التربوية والثقافية والإعلامية تحد غير مسبوق في نوعيته ووتيرته وكميته، للانتقال بالمجتمع من الممارسات التقليدية إلى بناء المعرفة التي تكون جواز عبور إلى عالم اليوم والمستقبل، وضماناً لازدهاره.

لأنه من دون الانفتاح المعرفي والفكري لن يتحقق التقدم المنشود. إلا أن هذا الانفتاح، كي يكون فرصة للنماء والإثراء الذاتي، لابد أيضا أن يرتكز إلى قاعدة متينة من الهوية الثقافية والروحية. فإذا كان الانغلاق غير ممكن ويؤدي إلى التحجر، فإن الانفتاح المفرط وفقدان المرجعية والخصوصية يؤدي إلى الذوبان والتبدد، وهنا تطرح على الجميع مهمة مصيرية في بناء المواطنة وغرس قيم الانتماء.


* كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية