العدد 5466
الإثنين 02 أكتوبر 2023
banner
رغباتك الاستهلاكية سجنك الأبدي
الإثنين 02 أكتوبر 2023

منظر محير لطوابير الناس الواقفة أمام مقرات شركات بيع الهواتف الذكية حول العالم، حشودٌ تنتظر دورها للحصول على أحدث إصدارات هذه الهواتف، بل إن الوكيل المعتمد في بعض الدول استعان بطائرة مروحية لإيصال الهواتف إلى مقر توزيعها وسط تصفيقٍ كثيف من الحضور، تذكرتُ وأنا أتابع هذه المشاهد قضية أحد المعارف حين اشترى هاتفا من هذه الهواتف الذكية بالتقسيط، وكان ذلك تذكرة لدخوله أروقة مراكز الشرطة والمحاكم، ودفعه آلاف الدنانير جراء تبعات هذا الأمر، ما بين تعويضات للمحل وأتعاب للمحامين، حيث تبين أن المحل يستغل رغبة الشباب في اقتناء مثل هذه الهواتف، ويجعلهم يوقّعون على عقود مجحفة، وبأسعار مضاعفة إلى عشرة أضعافٍ وأكثر، كل ذلك لأنهم لا يقرأون العقد قبل توقيعه بسبب لهفتهم في الحصول على هذا الهاتف في ظلِّ قلة المعروض منه في السوق، وكما قيل: إذا كنت تشتري ما لا تحتاجه، فسيأتي عليك الوقت الذي تضطر فيه لبيع ما تحتاجه. ما أكثرَ العبرَ وأقلَّ المعتبرين، فما هي الحاجة الحقيقية التي تدفع إنسانا لدفع مبالغ تصل إلى مئات الدنانير مقابل هاتف لن يستخدم ١٠ بالمئة من مزاياه وقدرات معالج البيانات الجبار الذي تم تزويده به، وكان بإمكانه شراء نسخ أقدم من الشركة نفسها أو من غيرها، وبتوفير قد يصل إلى 90 بالمئة من هذا المبلغ، فالواجب معرفة احتياجاتنا وما التطبيقات التي نستخدمها بشكل واضح قبل أن نشتري مثل هذه الهواتف باهظة الثمن، لتلبية رغبات استهلاكية مجردة وحب “الفشخرة” الفارغة في زمن الندرة الذي نعيش فيه.
ما نحتاجه هو إرادة قوية نبني بها جدارا لصد شهوة الاستهلاك حتى لا نضعف أمام رغبات حب الظهور، فالكثير يضعف أمام الإعلانات التي توضع على أبواب بيوتنا وسياراتنا وتلاحقنا في جميع مواقع التواصل عبر المعلنين والفاشينستات، والبث المتواصل لمختلف الرسائل الإعلانية بغرض سحب الأموال من جيوبنا، فنحن بحاجة اليوم أكثر ما نكون لتغذية عقولنا بخطورة سجن الرغبات الاستهلاكية الذي يحيط بنا، وأن نتخلص من مغرياته بتقوية الحسِّ النقدي، ورفض وضع أموالنا في غير مكانها الصحيح، وإعداد أجيالنا لتكون بهذا الوعي.
* كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية