بعيدا عن تفاصيل الأزمة المشتعلة في دولة النيجر، والتي محورها الانقلاب العسكري وما تتعرض له فرنسا من ضغوط سياسية وإعلامية وشعبية في هذه الدولة للمغادرة، فإن الموضوع الأهم يتمثل في هذه العلاقة المرتبطة بالسياسة الفرنسية تجاه مستعمراتها السابقة، فبالرغم من اعتراف الرئيس ماكرون وعدد متزايد من السياسيين الفرنسيين بضرورة مراجعة تلك السياسة وما تتسبب فيه من نتائج سلبية، أدت إلى أن معظم المستعمرات السابقة باتت ترفض الحضور الفرنسي بصيغته الحالية المستفزة، وإحكام السيطرة على “الإدارة السياسية” و”التحكم الاقتصادي” و”الاغتراب الثقافي”. ومن هنا نفهم حالة الغضب غير المسبوق في مواجهة هذا الانقلاب في النيجر، والدفاع المستميت عن الرئيس المنتخب، ليس لأنه منتخب فحسب، بل لأنه ضامن لاستمرار العلاقات الفرنسية النيجيرية بصيغتها الحالية التي يرفضها معظم النيجيريين.
ومن الواضح أن ما تتجاهله السياسة الفرنسية أن العالم بصدد التغير، وأن جيلا جديدا من القادة في البلدان الأفريقية يفكر بطريقة مختلفة عن الجيلين السابقين. هذا الجيل يعظم من شأن السيادة الوطنية ويرفض الإملاءات والتحكم المباشر أو غير المباشر، ما يفرض على صانعي السياسة الفرنسية إعادة النظر في تلك السياسات التي أصبحت مرفوضة، والعمل على تجاوز مرحلة التبادل غير المتكافئ والتهميشي مع هذه الدول ومعاودة التفاوض من أجل بناء علاقات متوازنة تشجع على التنمية والحرية والتطور الديمقراطي في ذات الوقت، لكن على قاعدة الاحترام المتبادل بين جميع الأطراف، من أجل بناء تاريخ جديد قائم على التضامن والتعاون المتكافئ، وهذا ما يجب أن تجري حوله المفاوضات بين الدول - الشعوب المعنية، بما يؤدي إلى تدشين مرحلة جديدة من الديبلوماسية الوقائية، خارج أوقات الأزمات الحادة بغرض تأسيس سياسة مشتركة تقوم على مفاهيم الشراكة والتضامن بدلا من الوضع الحالي القائم على العلاقات المختلة، لأن جدلية الهيمنة السياسية والثقافية والسيطرة الجغرافية يقابلها إحساس متزايد بالضعف والإهانة والقمع والإحباط عند الطرف الآخر. 
وهذه المعادلة بالرغم من بداهتها ووضوحها فإنها لم تقرأ على هذا النحو من قبل أغلب الدول الغربية، بل إنها مقروءة قراءة معكوسة في بعض الأحيان، من خلال التجاهل المتعمد للآثار الخطيرة للتدخلات السافرة.
* كاتب وإعلامي بحريني