العدد 5424
الإثنين 21 أغسطس 2023
banner
كمال الذيب
كمال الذيب
أزمة التلقي.. الحل خارج كرّاس المعلم!
الإثنين 21 أغسطس 2023

قال: بعض ما يُكتب في الصحافة العربية غير مفهوم ومتعال، إذ يعمد بعض الكتاب إلى التقعر في اللغة والتعقيد في الفكرة، فكأنهم يبحثون عن الإغراب عمدًا ليثبتوا أنهم مثقفون، وهذا مخالف لمنطق البيان: وضوح اللغة ووضوح الفكرة.
قلت: أرى في الأمر مبالغة غير مقبولة، لأنك تقلل من قدرة ووعي القراء بحيث لا يفهمون مجرد مقالة، فبعد أن كنّا نتوق لتجارب إعلامية راقية “خارجة عن الجاهز والسطحي”، أصبحنا نبحث عن مادة إعلامية مرفق بها دليل استخدام أو قاموس لشرح الكلمات، أو هوامش لتفسير الأفكار التي استعصى على المتلقي استيعابها، فهل المطلوب تذييل المقالات بعبارات تشبه تلك التي تصنف الأفلام والمسلسلات بحسب السن؟
قال محتجا: لو أن الأمر اقتصر على القارئ العادي لهان، لكن يشتكي من ذلك عدد من المثقفين والجامعيين، وهذا يعني أن هناك خللا ما في مكان ما.
قلت: قد يكون ذلك صحيحا جزئيا في حالة محددة فقط، لكن الصحيح أن هناك مؤشرات عن هذا المنعطف الذي وصل إليه موضوع التلقي في ظل ثقافة التنحيف الثقافي، وانتشار فكرة “ابتعد عن الثقافة تعش”، ما جعل عددا من القراء ضحايا قناعات لا تحث إلا على التفاهة والسطحية، حتى أنه ليبدو أن المطلوب بعد تدني المستوى الثقافي نشر مادة إعلامية على خط الدرجة صفر للمعنى واللغة. فإذا كانت عملية الاستيعاب عسيرة لهذه الدرجة فكل مقال يخرج عن الوصفة السحرية للفهم الدارج المرتهن للسطحية والتفاهة سيكون مصيره صرخة في واد وقفزة في المجهول. إن النصّ المفتوح يطارد العقول المنفتحة والمتلقي الملقّح ضد أمراض اللامبالاة والاستقالة، فيتلقى المقالات الخارجة من عمق الروح والعقل بنار القلم، فيُعقب ويجادل ويناقش وليعمق الطرح والوعي.
يجب أن نشفى من البحث عن حلّ في “دفتر المعلّم” كما قال برغسون، لكن خلق الله لم يُشفوا من البحث عن نفس الحل في التضاريس الجسدية وفي التشجيع على إدمان كل ما هو بعيد عن الثقافة والإبداع، ونحتاج إلى إيقاف نزيف طاقة العقل وإعادة الاعتبار لكل شمعة قادرة على إضاءة الأماكن المظلمة والفضاءات الدامسة.
كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .