كثيرا ما يُلام الجيل الجديد من الأبناء ويتهمون بالسطحية والتقصير، وفي ذلك ظلم لهذا الجيل، لأن الأحوال تبدلت وعوامل الزمان تكالبت ضد هذا الجيل، فما عاد جهد اليوم في السعي وراء الرزق يفي بحاجات الأبدان.. إلا في حالات قليلة، فأصبحت رواية الشعر والنثر ورياضة الذهن وتنمية المواهب بالقراءة والكتابة وإثراء الوجدان والأذواق ثقيلة صعبة على النفوس. وساعات النهار والليل التهمها تحالف الفضائيات والتطبيقات الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي الكاسحة، والتي احتلت القسم الأكبر من العقل والروح والاهتمام.
وتدريجيا تعلّم العديد من الأبناء من هذا التحالف الشرّير احتقار كل عملٍ جادٍّ وكل عظيمٍ من القيم، وحتى حرمة أعراض الرّجال والنّساء، وأدرك الآباءُ أنّ السُّقوف تداعتْ وأن الرّياح هبّت ضد أشرعتهم، فتناسوا القيم التي عاشوا عليها دهراً، وصاروا كتباً مفتوحة أمام الأبناء، لا يسترون عنهم بلاءً، وفقدوا دور الموجهين والقُدوات، وأصبح بعضهم – جزءا من (قوى التحالف الشرير). يتابعون مسلسلات الجهل والميوعة مبهورين لاهثين، والأب قد يأتي البيت مخموراً يكاد يمشي على أربع. والأغلب غارقون وراء الشاشات الصغيرة والكبيرة. والابن والابنة - إن خافا - يمارسان نشاطهما تحت الأرض وفي وسائل الاتصال عون، وفي السيارة عون وفي المال السائب عون، وفي الرّحلات والسّهرات ألف عون وعون.
لقد تبدّلت الأحوال، وتغيّرت الرُؤى والمفاهيم، وصار للحسن أكثر من معنى وللقبح أكثر من دلالة، وللحق والواجب معان متناقضة، واختلفت معاني الرذيلة والفضيلة، والفن الراقي والأدب الرفيع قد يدفعان أبناء هذا الجيل إلى الضجر والتثاؤب.. إنه باختصار قانون الحياة من يقاومه ينكسر... تسحقه الأقدام العجلى من غير أن يلتفت إليه أحد. لكن هل نحن بدع من الناس؟ يجيبنا كتاب التطور بالنفي، لأن خرائط السير تختلف باختلاف الأزمان والأحوال، لذلك لا يجب أن نلوم الأجيال الجديدة كثيرا. ونكتفي بالقول إن المحظوظ النبيه منهم هو من يقبل على الثقافة العميقة والجادة مع متابعة كل جديد في العلم والفن، على أن يمشي أمام القافلة لا خلفها، على ألا تؤدي مجاراة الزمان إلى اضمحلال القيم.  وقد قيل إن الديناصور انقرض لأنه عجز عن فهم الخرائط المتجددة ولم يستوعب درس التاريخ.
* كاتب وإعلامي بحريني