عشنا سنوات طويلة ونحن نلوك أفكارا قديمة مستهلكة، منتهية الصلاحية، وكان علينا امتلاك فكر خلاق وجديد بعيدا عن النمطية وتقديس الماضي والوقوف عنده كأفق للمستقبل أو طرح حاضر الآخرين كبديل للانطلاق نحو مستقبلنا.
لكن هذا الشعور لا يحمل فقط مكاسب إيجابية، لكن يمكن أن ينطوي على مخاطر ومحاذير كبيرة، ومثال ذلك الموقف الأول الذي يعتبر مجموع تاريخ العرب الحديث والقديم سلسلة من المآسي والهزائم مصدرها انحطاط الذات ونقص الكفاءة أو نتيجة خلل في العقل العربي أو في الثقافة العربية نفسها. وهنا يبدو الإخفاق وكأنه تجسيد لعاهة فطرية، أو ثمرة حتمية لنقيصة ذاتية، وعندئذ يغلب موقف جلد الذات على موقف المراجعة والتقييم، وتكون النتيجة تكريسا متجددا للسلبية والتوجه العدمي الذي يقود إلى مشاعر ومواقف سلبية تقضي على أية إمكانية لاستعادة الروح العملية والممارسة الإيجابية في الحقل الثقافي عموما.
والموقف الثاني لا يقل خطورة عن الأول: لأن الإحساس بالإخفاق الحضاري يقوده إلى الاعتقاد بتهافت الأهداف والمبادئ والوسائل التي قامت عليها فكرة النهضة العربية القديمة والحديثة، فيبدأ التشكيك في صلاحية العمل الثقافي العربي المشترك، وفى مدى نجاعة التحول الاجتماعي العربي، وفي مصداقية المبادئ والقيم الجامعة. لذلك يدعو إلى الانكفاء القطري والعناية بالمصالح الضيقة، والتي تكون مهمة إذا ما ارتبطت برؤية جامعة متكاملة للنهوض والتنوير والتنمية، وهكذا أصبح الحديث عن الإخفاق عنده وسيلة لتدعيم الممارسات السلبية، والاتجاهات التقسيمية التي كانت من أسباب هذا الإخفاق نفسه. وبقدر ما يؤدي الموقف الأول إلى الهروب إلى الأمام والشطب على مكاسب قرون كاملة من التجربة والخبرة التاريخية العربية، ومحوها ودفنها، والبدء من نقطة الصفر، فيتحول موقف التجديد إلى موقف التمرد السلبي والاحتجاج والتدمير. بقدر ما يؤدى الموقف الثاني إلى التراجع والانكفاء نحو مواقع انعزالية صرف المجتمع العربي سنين طويلة لتجاوزها.
ولمواجهة هذه العدمية وسوء التدبير على مختلف الأصعدة نحتاج إلى تعبئة طاقات روحية وفكرية وإبداعية جماعية، تحتاج لتحقق أهدافها إلى تعزيز التنوير والعقلانية في كل القطاعات التعليمية والثقافية، وتعبئة النخب العربية المثقفة وتعزيز دورها في الأجهزة الثقافية للنهوض بالوضع الثقافي العربي على جميع المستويات.
كاتب وإعلامي بحريني