العدد 5410
الإثنين 07 أغسطس 2023
banner
كمال الذيب
كمال الذيب
الخروج على زمن قراقوش
الإثنين 07 أغسطس 2023

مهما كانت مبررات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، (ومنها دفع خطر متوقع)، فإنه لا يمكن إلا وصفها كفعل مخالف للقانون الدولي، لكن عدم القبول بهذه الحرب، يُحيلنا بالضرورة إلى حقيقة أن الولايات المتحدة الأميركية التي تتزعم حاليا الجبهة المعادية للخطوة الروسية ووصفها بغير الشرعية، هي التي أسَّست، بعدوانها على أفغانستان والعراق للمنطق الذي أنهى ما بقي من النظام الدولي المُؤسّس - نظريًا على الأقل - على القانون الدولي كمرجعية، لندخل بذلك عصر الهمجية الدولية القائمة على الغزو والاحتلال، ولتشكل رجعة مفجعة إلى ما قبل الديمقراطية والشرعية الدولية والدبلوماسية والبروتوكولات والمواثيق، إلى درجة أنَّ هذا النظام في لحظة توحشه، قد بدا وكأنه لقطات مستعارة من عصور نيرون وهولاكو وقراقوش.
نظرة سريعة على تاريخ الحروب القديمة والجديدة تحيلنا إلى أن أغلب أسبابها تتراوح بين طموح إلى نشر معتقد، أو احتلال أراض خصبة، أو ثأر لكرامة، أو تسويق لمنتج، أو دفع لخطر داهم.. ومع ذلك كانت هناك حدود لا يمكن تجاوزها، حتى في أكثر الحروب فتكا ووحشية كانت هناك أخلاق بدرجة ما، أما حروب الأحادية القطبية فهي من دون أخلاق، فهي من أجل الاستحواذ على ثروة أو السمسرة على مصالح ضيقة تستعمل أسوأ أشكال الكذب والتشويه ووسائل الإبادة وكل الطرق المحرمة دوليا، من التجويع إلى ضرب الأسواق والمستشفيات، وسيارات الإسعاف، وتدمير المتاحف، والمعابد والمنازل. 
ففي العهود السابقة كان الانتماء للوطن عقيدة والدفاع عنه واجبا مقدسا، وفي النظام الدولي الجديد صار التآمر عليه فضيلة، والوطنية الوحيدة التي يسمح بها نظام القطبية المنفردة بالهيمنة هي تلك النعرات البدائية الاقتتالية التي تشطر الوطن إلى أوطان وأحجار لا متناهية. كلمة السيادة التي تغنت بها الدساتير لم يعد لها أثر.. قوانين البلدان ومؤسساتها لم تعد مهمة، القرارات التي تمليها دولة واحدة أو دولتان هي القانون الدولي الوحيد.
وفي ظل هذا النظام انتهكت سيادة الدول وأُبِيدت شعوب وهُجر الملايين، لم يعد هناك من يأسف على زواله أو يصدق أحاديثه عن الشرعية الدولية.
* كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .