حسنا فعلت صحيفة “البلاد” بإعلانها عن ندوة عن المفكر البحريني الدكتور محمد جابر الأنصاري، والتي من المزمع إقامتها في مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي “إثراء” بالمملكة العربية السعودية الشقيقة، بالتعاون مع أسرة الأدباء والكتاب البحرينية، خلال الأشهر المقبلة، وذلك لأن المشروع الفكري للأنصاري يستحق مثل هذا الاهتمام، باعتباره مشروعا عربيا تنويريا حيا، يمتاز بالرصانة والتطلع للمساهمة المعرفية في تشخيص أوضاعنا والمساعدة على الخروج من التردي الذي يشوب حياتنا، وبالرغم من رصانة هذا المشروع علميا فإنه، ليس متعاليا على القارئ، بل يتميز بوضوح مفرداته واتساق مقاصده وأصالة عناصره، وارتباطه بالجدل مع الواقع بمختلف أبعاده.

فالأنصاري لم ينزو قط عن المجتمع في جميع اللحظات التاريخية المهمة، ولم يلذ بالصمت كلما تعلق الأمر بقضايا وطنية أو قومية، للدفاع عن المصالح الوطنية أو عن هوية الأمة ومقدراتها، لذلك كان الأنصاري حاضرا بكل قوة لدعم النهضة العربية وتطلعات العرب في الوحدة والحرية والديمقراطية والتنوير، كما انخرط في المشروع الإصلاحي الوطني لجلالة الملك، مفكرا مسهما في التقييم والمراجعة وإنارة الطريق بفكر حصيف، جاهدا على بناء التوازن بين المعرفة العلمية وبين الإبداع الفكري والأدبي، حتى تكون الجامعات منارات للفكر والإبداع، لا يقتصر دورها على التدريس بمعزل عن الفكر وفلسفة العلوم والقيم. كما رفض ثقافة الصوت الواحد التي تؤدي إلى خنق حرية الفكر، ورفض الاختزال والتبسيط والنظرة الأحادية، وثقافة التبسيط والسطحية، التي يعتبرها إفسادًا للغة والثقافة معا، وعلى صعيد علاقة المفكر بالسياسي، واكب - على الصعيد الوطني - المشروع الإصلاحي، منذ بدايته الأولى وعايشه فكرا وحقيقة على الأرض، مع احتفاظه دوما بموقعه كأكاديمي وكاتب ومفكر مستقل، انطلاقا من قناعة بالحاجة إلى تجسير الفجوة بين المثقف والسياسي، إذا ما أردنا تجديدًا لحياتنا الفكرية وحياتنا السياسية معا. فالتخوف الشائع بأن يصبح المثقف تابعًا للسلطة، لا يجب أن ينفي إمكانيات وفرص الحوار والتعاون بين السلطة المستنيرة والمثقف، خدمة للمصلحة العامة وتطوير المجتمع، وبذلك كان الأنصاري من أوائل مثقفي البحرين الذين أسهموا في بناء هذه العلاقة الصحية بين السياسي والمثقف.

*كاتب وإعلامي بحريني