العدد 5403
الإثنين 31 يوليو 2023
banner
كمال الذيب
كمال الذيب
“خلاصة القول - 4” أفق خارج هيمنة النموذج الأميركي
الإثنين 31 يوليو 2023

خلاصة القول في الحديث عن التجربة الفرنسية في التعايش والاندماج، يمكن تلخيصها في أمرين:
الأول: أن جوهر الأزمة هو اقتصادي - اجتماعي، فغالبية أبناء المهاجرين لم يتمكنوا من الحصول على فرص متساوية للعيش الكريم، (بالرغم من أن القوانين الفرنسية تبوؤهم مركز المواطنة المتساوية)، فظلوا على هامش الدورة الاقتصادية، وتبخروا في فضاء العمل والأعمال، وحتى الأعمال (الشاقة) التي كان آباؤهم وأجدادهم يقومون بها قبل نصف قرن، احتلها اليوم عمال من أوروبا الشرقية أو من أفريقيا جنوب الصحراء، فأغلبهم تأكله البطالة والتهميش وينهشهم الفراغ، ما يجعلهم في حالة دائمة من الغضب، عالقين بين عالمين كلاهما مر. فالعودة إلى بلدان آبائهم الأصلية مستحيلة لأن الوضع هناك أكثر سوءاً على جميع المستويات، وبين النضال في بلاد الهجرة من أجل تجسيد المواطنة المتساوية في الممارسة، فهم في فرنسا يستطيعون على الأقل التعبير عن ذلك الغضب، ويمتلكون بعض الأمل، في المستقبل.
الثاني: أن الأزمة في فرنسا خاصة وفي أوروبا عامة، لا تمس المهاجرين أو أبناءهم فحسب، بل تمس معظم شرائح المجتمع، فالأزمة تشق المجتمع ككل، والدليل على ذلك استمرار المظاهرات والاحتجاجات على مدار السنوات الماضية وعدم انقطاعها.
إن (الرأسمالية المتوحشة) فشلت إلى حد كبير في استيعاب الأزمات، نتيجة ضعف البعد الإنساني والاجتماعي في الفكر والمنظومة، فالاتحاد الأوروبي، بالرغم من قوته الظاهرة، يواجه تحديات كبيرة، اقتصادية ومالية واجتماعية، خصوصا بسبب التوجه إلى القطع من دولة الرعاية، إضافة إلى تآكل قدرة الاتحاد على لعب دور مستقل في العالم وعلى الدفاع عن نموذجه الذي يمكن وصفه بأنه (رأسمالي اجتماعي) في أغلبه، في مواجهة تنامي الهيمنة الأميركية ونموذجها الجامح، بما يحرم الاتحاد من أن يكون له دور مستقل وإيجابي في إدارة السياسة الدولية، والتأثير في مستقبل العالم، بما يتناسب مع ما يتمتع به من وزن اقتصادي وسياسي، ما يتطلب تعزيز النموذج الأوروبي المبني على العدالة الاجتماعية، والتوقف عن دعم الحروب “الهيمنية الأميركية”.
كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .