العدد 5396
الإثنين 24 يوليو 2023
banner
كمال الذيب
كمال الذيب
النموذج الفرنسي للتعايش - (2) دفاعا عن العلمانية الفرنسية
الإثنين 24 يوليو 2023

إضافة إلى البعد الاجتماعي – الاقتصادي لانتفاضات الضواحي الفرنسية المتكررة، فإن هناك جانبا قليلا ما يثار، مع أنه مهم ومؤثر، يتعلق باندماج أبناء المهاجرين من الجيلين الثالث والرابع.
الجيل الأول من المهاجرين اختفى تقريبا من الوجود، ومن بقي منهم فيعيش في عزلة تامة، يلفهم الصمت، وتأكلهم الكآبة في الضواحي المزدحمة، يعيشون عالة على المعونات الاجتماعية التي تقدمها الدولة للجميع لضمان الحد الأدنى من العيش.. الأجيال اللاحقة من أبناء المهاجرين هم مواطنون فرنسيون، أغلبهم يعاني من التهميش وصعوبة الأوضاع المعيشية، كما من صعوبة التعايش، ما يدفعهم في الغالب نحو المواجهات المتكررة، فليس لديهم ما يخسرونه. المشكلة أن العلمانية الفرنسية، وقيم الجمهورية الفرنسية لا يكاد يستوعبهما معظم هؤلاء إلا بصعوبة، لذلك سريعا ما يصطدمون معها، بما يؤخر اندماجهم: حيث يدور لبّ المنطق الفرنسي حول حشد المواطنة خلف قيم العلمانية بما يعيد ترتيب الفرد وفق نموذج الجمهورية الجماعي، وواضح أن نموذج فرنسا في الانصهار الاجتماعي يختلف عن الأنموذج الأنغلوسكسوني الذي يتأسس على فكرة تعايش المجموعات مع الإبقاء على خصائصها ضمن الوطن الكبير وقواعده الأخلاقية والقانونية.
وتحاول فرنسا منذ عقود التعايش مع هذه الحالة مع ملايين من مواطنيها من أبناء المهاجرين، وأغلبهم من المسلمين، فيظهر قصور النموذج العلماني الفرنسي عن استيعاب ديانة الآخر ضمن قوانين الجمهورية ونظامها الاجتماعي، إذ يعتمد النظام السياسي والاجتماعي والثقافي الفرنسي على احترام حرية الفرد ومساواته، مجردا من انتمائه الإثني أو الديني، ويدرك الفرنسيون تميّز نظامهم، ويعتبرون أن تراكما تاريخيا خاصا بهم، يفتخرون به، حيث إن تعامل النظام الفرنسي مع المواطن كفرد وراء صيانة حريته واحترام حقوقه، وهو ما يمكن اعتباره إنجازا فرنسيا لا ينبغي التشكيك فيه، فالعلمانية في فرنسا خرجت من رحم صراع مرير بين الجمهورية والكنيسة، والذي انتهى إلى إقصاء الكنيسة عن الشأن السياسي العام، فالعلمانية لم تكن خطابا مثاليا يريد أن ينأى بالدين عن دوائر الشأن العام، بل أداة فعالة لتحرير المجتمع من سلطة الكنيسة، لذلك لا أعتقد أن الإسلام - ولا أية ديانة أخرى - مستهدف من قوانين الجمهورية الفرنسية، كما قد يتوهم البعض. وللحديث صلة.
* كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية