أثارت موجة الاحتجاجات الأخيرة في فرنسا المرتبطة هذه المرة بمقتل شاب فرنسي من أصول جزائرية، العديد من ردود الأفعال، تركزت على فكرة التمييز و”العنصرية” والتهميش والانسحاق الاجتماعي لقطاع واسع من سكان الضواحي. إن مثل هذه الانتفاضات هي نتيجة مباشرة لعوامل اجتماعية واقتصادية، كالفقر والبطالة والتهميش والعنف الشرطي، ما يؤثر سلباً على حياتهم ويزيد من شعورهم بالعزلة والغضب، ويتسبب في المزيد من التوتر والاحتقان المؤديين إلى اشتعال الفوضى التي تهدد أمن البلاد واستقرارها.
إن التجمعات السكانية المهشمة والمعزولة التي تحولت إلى ما يشبه “الغيتوات” كانت قد تأسست أصلا لخدمة الضاحية الفرنسية في بدايات النصف الثاني من القرن العشرين، وأصبحت اليوم أشبه بالأطلال المكتظة، ومعظم الصناعة الفرنسية الثقيلة الشهيرة اختفت أو تبخرت، أو هاجرت إلى الصين وتايوان والبرازيل وغيرها من البلدان، وأبناء المهاجرين الذين كان يفترض أن يكملوا مشوار الأجداد والآباء في دورة الإنتاج، وجدوا أنفسهم اليوم في التسلل: فرص التعليم المناسب والعمل تقلصت إلى حد كبير، والاندماج المأمول لا يزال صعبا بالرغم من أننا نتحدث عن الجيل الرابع من أبناء المهاجرين الذين لم تعد تربطهم بأوطانهم الأصلية إلا روابط واهية، وتعثر هذا الدمج عائد في الغالب إلى غياب الجدية في المعالجة، خصوصا بين أوساط اليمين الذي يفضل أن يبقى هؤلاء نبتا شيطانيا غير قابل للاندماج.
إن أبناء الجيل الرابع هم اليوم في مواجهة وضع سيئ بسبب انحسار أفق الحياة الكريمة، فما بالك بفرص الصعود الاجتماعي.. إلا أن الوضع في بلدان آبائهم الأصلية أكثر سوءاً على جميع المستويات المعيشية والإنسانية والحقوقية، لذلك فهم في فرنسا يستطيعون على الأقل التعبير عن غضبهم، ويمتلكون حق التظاهر والاحتجاج بالإضافة إلى بعض الأمل، وبصيصا من الضوء في آخر النفق، في حين يضطر الآلاف من أشقائهم إلى المقامرة يومياً بحياتهم عبر محاولة عبور البحر نحو الشواطئ الشمالية للمتوسط، بحثا عن فرصة جديدة شبه مستحيلة، ككائنات مصابة بأوبئة فتاكة تعلق بين المدن الذهبية ومدن القصدير، مقامرين بحياتهم بالرغم من أن حظوظهم في الوصول إلى الضفة الأخرى أحياء ضئيلة جدا وحظوظهم في الحصول على فرصة للحياة تقارب الصفر. وللحديث صلة.

*كاتب وإعلامي بحريني