يُحتفى هذه الأيام في الوطن العربي بمرور نصف قرن على رحيل طه حسين، فتقام الندوات والمحاضرات بهذه المناسبة حول فكره وأدبه باعتباره رمزاً للتنوير والعقلانية والشجاعة في مواجهة الفكر المحافظ في زمنه، فضلا عن كونه يبقى مشروعا للمستقبل.
إن الاهتمام بطه حسين في إطار الثقافة العربية الحديثة يتجاوز حدود الاحتفاء بشخصه أو فكره، ليتعلق بالأسئلة الأهم في الراهن الثقافي العربي، فكراً ونظرًا لأنفسنا وحضارتنا والعلاقة مع الآخر، وأيًّا كان موقفنا من ذلك، فإننا مازلنا، بعد مضي أكثر من نصف قرن على أطروحات طه حسين، حول التراث والنقد والتاريخ والعقل ومستقبل الثقافة العربية وعلاقتها بالغرب، نطرح نفس الأسئلة وندور حول نقطة واحدة لا نقوى على الفكاك منها، بل لعلنا في ظل اتساع الحرفية وتراجع مكانة الفكر ودوره في المنازلات الحضارية، قبلنا أن نتراجع بشكل مأساوي عن الدور التنويري للمثقف، في ظل الترهيب والتخوين وفقدان الشجاعة، فعندما نعود إلى فكرته حول حضارة البحر الأبيض المتوسط مثلا، نجدها لا تزال في صلب المناقشات الراهنة، بل وتبقى فكرة للمستقبل.
كما أن أطروحات طه حسين الداعية إلى الاندماج في عالم الحداثة على أسس تضمن حقوقنا وتلبي مطالبنا وتتفق مع العصر وتوجهاته، مازالت قائمة في الحاضر العربي وستظل قائمة في المستقبل.
فبالرغم مما أثاره كتاب “مستقبل الثقافة في مصر” الصادر في الثلاثينات - من جدل فإن أطروحته الأساسية تظل قائمة إلى اليوم وهي مدار الحوار والتطلعات ومجريات السياسة العربية ومحاولات إصلاح العلاقة مع الغرب. لقد انطلق طه حسين من اعتبار أن العقل الإنساني واحد مشترك، ومادام نتاجه ثمرة للتاريخ والبيئة التي نشأ فيها، فإن الحضارة المتوسطية (العربية - الأوروبية) غنية بالخبرات والصراعات والتبادل، ومن هنا نادى طه بضرورة إعادة خط التفاعل بين الحضارتين إلى العمل، بعيداً عن الأوجاع الناتجة عن المواجهات العسكرية والسياسية والدينية.
ولكن طه حسين المبشر بثقافة البحر المتوسط هو نفسه طه حسين المصري العربي المسلم بكل ما يعنيه ذلك من دلالات ضمن الدوائر الإنسانية الكبرى. كما أن أهم إنجاز فكري حققه طه حسين أنه أسهم في تبديد الأوهام التي كانت تفرض على العرب العزلة.
* كاتب وإعلامي بحريني