أصبحت الحروب والكوارث تشاهد على الهواء مباشرة، تماما مثل مباريات كرة القدم والمؤتمرات والندوات وجلسات الأمم المتحدة.
وفي ظل عالم اللحظة، عالم الصورة، ماذا يبقى للصحافة المكتوبة لتنقله أو تكتبه، إلا أن تستجلب عالم الصورة الحية إليها، وتتحول إلى اللحظي عبر المواقع الإلكترونية، لمجاراة هذه الثورة الرقمية والاتصالية، ويبقى الورقي منها مجرد بطاقة هوية. لقد شكلت الصحافة مصدراً أساسياً للفكر والأدب والجدل السياسي وتشكيل الوعي المعرفي والوطني والقومي، لكن منذ سبعينات القرن الماضي شهد العالم ثورة إعلامية ومعرفية وتقنية هائلة، لسنا بحاجة إلى تحليل جميع مكوناتها، لكن بإمكاننا رصد أهم ملامحها: 
- سيطرة إعلام الصورة واتساع نطاقه حتى أصبحنا نتحدث عن المدينة العالمية الواحدة المشبوكة إلكترونيا.
- اتساع نطاق البث الفضائي الحي واستمراره على مدار الساعة وتغطيته الأحداث لحظيا دون توقف.
- ضخامة تدفق المعلومات والأخبار وانتهاء عصر الرقابة والتحكم في المعلومات والأخبار أو التعتيم عليها.
- احتكار الدول المتقدمة تكنولوجيا الإعلام والاتصال بكل مكوناته، فسوق المعلومات تكاد تكون محتكرة من قبل 4 وكالات عالمية، وهي من تقوم بالتحكم بتدفق الأخبار والمعلومات للسيطرة على عقول الناس وتوجيه الرأي العام.
- تركيز وسائل الإعلام الجديدة على إشاعة ثقافة الاستهلاك والإعلان والترويج للبضائع باعتماد أساليب الإيهام والإغراء وإشاعة ثقافة التسطيح وحتى الشعوذة والتسلية، المهم أن تكون هناك صورة تمارس دورها في التأثير على عقول المتابعين.
- تحول الصورة إلى مرجعية أولى، لا يقاس على سواها، الأمر الذي جعل المفكر الفرنسي ريجيس دوبريه يقول: “إن سيد الصورة هو سيد العالم”، لأن الصورة توهم المشاهد أنها هي الواقع، بقدرتها الفائقة على تعطيل الحواس الأخرى وتحفيز الغريزة والمتعة، لأن تلقيها لا يتطلب جهداً أو تركيزاً على خلاف ثقافة المكتوب التي تتطلب منا تحليلاً وتركيباً ونقدا في النهاية.
لذلك يتوقع الباحث بالمعهد الفرنسي للصحافة الدكتور “جان برتران”: أنه مع نهاية الربع الأول من القرن الحالي ستختفي الصحافة الورقية اليومية بالمعني المعروف منذ القرن 19، لأن ثورة الاتصال والمعلومات تكون قد سيطرت تماما على السوق، وأصبحت قادرة على تزويد الناس في كل مكان بما يريدون وما يحتاجون من معلومات.
* كاتب وإعلامي بحريني