العدد 5688
السبت 11 مايو 2024
“كولومبيا” واحتجاجات طلبتها
السبت 11 مايو 2024

كان 1968 عاما تاريخيا مفصليا في الاحتجاجات والحركات الطلابية والسياسية التي شهدها العالم، ففي شتائه برزت الإصلاحات التي انتهجتها قيادة الحزب الشيوعي الحاكم في تشيكوسلوفاكيا بزعامة الكسندر دوبتشيك، لكن الدبابات السوفييتية سحقتها في الصيف وقامت بعزله ونصّبت قيادة ذيلية لموسكو، وفي شتاء العام نفسه انطلقت من جامعة القاهرة الاحتجاجات الطلابية المنددة بالأحكام المخففة الصادرة على ضباط سلاح الطيران المتورطين في هزيمة يونيو 1967، وبعض قادة هذه الاحتجاجات قادوا الاحتجاجات الطلابية مطلع السبعينات، والتي جرت في نفس الجامعة بسبب تأجيل موعد الحرب لتحرير سيناء، وفي 1968 برز إلى العلن تفكك حركة القوميين العرب إلى فصائل تتبنى الفكر الماركسي، وفي مايو من نفس العام وقعت الاحتجاجات الطلابية الفرنسية الشهيرة التي هزت فرنسا وطبقتها الحاكمة.
أما في الولايات المتحدة، وهي بيت القصيد هنا، وقعت الاحتجاجات الطلابية المنددة بالحرب اللاأخلاقية على فيتنام، حيث انطلقت شرارتها في البدء من واشنطن بجامعة هوارد ذات الأغلبية الطلابية من أُصول أفريقية، لتنتقل بعدئذ إلى نيويورك بجامعة كولومبيا مهد شرارة الحركة الطلابية الراهنة المطالبة بوقف حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة وسحب دعم إدارة الجامعة لإسرائيل، خصوصاً الذي يدخل في صناعة السلاح، ولتمتد بعدئذ الاحتجاجات إلى معظم جامعات البلاد، ثم إلى جامعات أُوروبية عديدة. وبهذا فإن جامعة كولومبيا تمتلك تاريخاً عريقاً من الاحتجاجات الطلابية ضد كل حروب أميركا العدوانية وسياساتها في دعم الأنظمة العنصرية والفاشية، ومنها نظام جنوب أفريقيا السابق المدحور. واللافت أن شريحة من طلبة هذه الجامعة الخاصة منضمون إلى الحركة الاحتجاجية فيها، مع أنها واحدة من أعرق وأغلى جامعات البلاد، وهي إلى ذلك بمثابة مصنع إعداد قادة النخبة والصفوة، وقد تخرج فيها عدد من الرؤساء الأميركيين.

وهاهم آباء وعوائل من طبقة الصفوة يشاهدون بأُم أعينهم أبناءهم الطلبة إذ ينخرطون في احتجاجات سلمية بدعم وتأييد عدد غير قليل من أساتذتهم يُهانون من قِبل الشرطة التي اقتحمت حرم الجامعة بالطريقة العنيفة التي اعتادتها الشرطة الأميركية في إلقاء القبض على أي متهم من خلال بطحه أرضاً وتقييده بالأصفاد، ثم جره إلى شاحنات الاعتقال.
وهذه الطريقة الدامية لكرامة الإنسان في الاعتقال والتي تميزت بها الشرطة الأميركية والتي عادة ما يشارك فيها من ثلاثة إلى خمسة من أفراد الشرطة للتعاضد على اعتقال فرد مدني واحد مجرد من السلاح، إنما تذكرنا إلى حد كبير بمشهد مقتل المواطن الأميركي من أصل أفريقي جورج لويد عام 2020، وذلك أمام المارة في الشارع بعد أن ضغط أحد الضباط بركبته على عنقه لمدة نحو عشر دقائق فلفظ أنفاسه الأخيرة رغم تحذير المارة بأنه يحتضر!
ورغم التاريخ العريق للحركة الطلابية داخل جامعة كولومبيا، إلا أنه يبدو أن الدراسات المنهجية العلمية الرصينة لتحليل هذه الحركة مازالت شحيحة، ولا سيما من حيث انضمام شريحة من أبناء النخبة أو الصفوة إليها.

كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية