العدد 5382
الإثنين 10 يوليو 2023
banner
كمال الذيب
كمال الذيب
فبركة الأحلام والرغبات
الإثنين 10 يوليو 2023

بلغ التلاعب بأفكار “الجمهور” أو ما يسمى بـ “صناعة الرغبات” مستوى العلم في مختلف أنحاء العالم، من خلال وسائل الدعاية التي أصبحت قادرة على سلب الناس وعيهم وبناء عالم بديل من الأوهام والاغتراب. فتقنيات الإقناع والتأثير ما فتئت تتحسن بفضل ما تمتلكه من إمكانات هائلة من الذكاء الاصطناعي، بما يمكنها من إدخال رسائل محددة إلى عقولنا، ويقدر حجم هذه الرسائل التي يمكن أن يتعرض لها الفرد يوميا بعدة آلاف. وبما أن الدعاية - من حيث المبدأ - تطمح إلى أن تكون فن الإقناع، فإن كل رسالة نتلقاها تتحول إلى أداة تأثير وإغراء وإغواء. فالدعاية تعد دائمًا بالأمور نفسها: الرفاهية والراحة والفاعلية والسعادة والنجاح، فهي تلوح بوعد الاكتفاء والثراء والجمال، وتبيع الحلم وتقترح مختصرات رمزية في اتجاه الصعود الاجتماعي السريع. إنها تفبرك الرغبات وتقدم عالمًا من الراحة والاسترخاء والانشراح واللامبالاة، يسكنه أناس سعداء بفضل المنتج العجائبي الذي سيجعلهم جميلين وأحرارًا وأصحاء، مرغوبين إلى آخر تلك السلسلة السحرية من الحالات.
إن الدعاية تبيع كل شيء إلى الجميع، من دون تمييز، وكأن المجتمع الاستهلاكي مجتمع من دون طبقات، فتعد بعالم مثالي خال من أي ألم أو أوجاع، فلا وجود لبلدان متخلفة، ولا لفقر وحروب ومجاعات، ولا قنابل ذرية ولا انفجار ديموغرافي. وبالعكس من ذلك فالعالم كما تقدمه الدعاية هو عالم براءة وابتسام وسرور، وأنوار، ولطف، وفراغ. إنه باختصار عالم من التفاؤل والجنة الموعودة. وعن طريق التراكم، تكرر الدعايات لترسخ الأوهام الكبرى ذاتها: الشباب الدائم والسعادة والترفيه والوفرة.. ويتم استخدام المرأة بالذات في هذه الدعايات لتكون أداة من أدوات المتعة والسعادة، لذلك لا تكاد الصور الدعائية تخلو من صورة المرأة الجميلة الشابة، لتؤثث هذا العالم - الجنة. فصورتها محصورة داخل خطاب لا يعترف بها في الغالب إلا كأداة للذة أو كخادمة منزل، أو كجزء من ديكور الجنة، ما يفضي في الغالب إلى حشر النساء داخل إطار صورة نمطية مكررة، بعيدا عن الواقع الذي تعيشه معظم النساء في العالم.
* كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية