العدد 5378
الخميس 06 يوليو 2023
banner
كمال الذيب
كمال الذيب
الدرجة الصّفر من الكتابة
الخميس 06 يوليو 2023

يعرِّف الناقد الفرنسي رولان بارت “الكتابة” في مؤلفه “الكتابة في درجة الصفر”: “هي أن نكتب من دون كتابة، أن نأتي بالأدب إلى نقطة الغياب، حيث لا نعود نخفي أسرارها، (...) بما يقودنا إلى التحرر من جميع القيود التقليدية، الجمالية والآيديولوجية”، كما اعتبر بارت النص الأدبي رهنا بالقارئ الذي يتحول إلى منتج للنص بما يضفي عليه من معنى، ويضرب مثلا لذلك الصورة التي ينتجها المصور الصحافي، فمن دون هذا القارئ تصبح الصورة كما النص غير موجودين أصلا، كأنما القارئ هو من يضفي عليهما المعنى.
وفي ضوء ذلك فهم البعض أن الأدب قد تحرر من عنصر الأدبية (أي ما يجعل من الأدب أدبا)، فلم تعد له أو عليه أية قيود جمالية، وتم تغييب الكاتب تقريبا في العملية النقدية. أما الكتابة في الثقافة العربية، فيضعنا الفعل “كتب” مباشرة أمام الفعل “كبت”، وإزاء التساؤل حول اللاوعي اللغوي الذي جعل الفرق بين المفردتين مجرد بعثرة للحروف، بمعنى أن تكتب أي أن تكبت بشكل أو بآخر، أفكارا ومشاعر ورؤى، فتصبح الكتابة حالة تحايل على الذات وعلى الموضوع معا، أي حالة “كذب أو مخاتلة”. إلا أن الكتابة تضعنا أيضا إزاء أسلوب الكتاب، كما يحيا حياته وأحلامه، والأسلوب حقل استعادة لكل ما كان عند الكاتب من أحوال وتقلبات وذكريات وعشق وعداوة وحضور اشتهاء أو غياب له، كما يحتاج إلى بعض التراب لإنشاء بيت أو قبر أو منفى، أو لينشئ أسطورية أو فرحا أو احتفاء بالموت.
أما القراءة فهي كتابة تمتهن التأويل بالضرورة، والتأويل القائم على الفهم والتلذذ بالنص أو كراهيته، وهذا يقود إلى ميثاق بين الكاتب والقارئ يتعدى حدود المواضيع ليلامس حدود الذوات وتخيلاتها وتهويماتها. وبذلك لا يمكن تغييب الكاتب والقارئ وهما يدوران حول النص في بناء ثلاثي، كما لا يمكن تغييب المؤسسة، فالقراءة والكتابة على اتصال بها أيضا. فأن تفكر يعني أن تكون إزاء التقاطع بين الذات والمؤسسة وبين المؤسسة والخطاب وبين الخطاب والسلطة وذاك شرط بقائها.

*كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .