العدد 5375
الإثنين 03 يوليو 2023
banner
كمال الذيب
كمال الذيب
لماذا ماتت الصحافة الساخرة؟
الإثنين 03 يوليو 2023

كتبت أكثر من مرة عن موت أو غياب الصحافة السّاخرة عندنا في البلاد العربية، في الوقت الذي تنتعش فيه في البلدان الغربية، بل لعلها تلقى هناك رواجاً منقطع النظير، وربما تحظى باهتمام الجمهور أكثر من أي شيء آخر من الكتابة الصحافية، فالصحافة الساخرة عندهم سلطة حقيقية إلى درجة أنها تقيم الدنيا ولا تُقعدها، وتُثير الغبار من حولها، فتسقط المافيات وتُذهِبُ النَّومَ من جُفون اللصوص والسرّاق والكذابين والمتحيِّلين داخل الأمة، وبعد ذلك كله، تشيع السرور في النفوس وتعيد الثقة في الحسِّ الإنسانيِّ الميّال إلى النقد القادر على إبراز المساوئ والسخرية منها عبر الكاريكاتير، ومقاومة الشرّ والحد من التجاوز.
وفيما تزدهر هذه الصحافة في بلاد الغرب، تكاد تختفي عندنا في بلاد العرب، إلا بعض المحاولات المحتشمة وغير المستمرة، رغم أن حياتنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية تعجُّ بما يثير السخرية والسخط، وبقدر ما تزخر حياتنا بالروح السَّاخرة، بين أوساط الناس، وبقدر ما يرسم هؤلاء البسطاء في أرجاء البلاد العربية بسمة النقد الساخر أو السخرية الناقدة على الشفاه الحزينة، بقدر ما تبدو صحافتنا متزمتة أكثر من اللازم، محتشمة أكثر من اللازم، ومحافظة أكثر من اللزوم، وغير قادرة على أن تبهج القرّاء بالسخرية الراقية القادرة على نقد كل ما هو سيئ وشرير.
إن الصحافة الهزلية أو الكاريكاتيرية – بعكس ما يظن البعض – هي من أرقى وأصعب أنواع الصحافة، لذلك لم نتوفق إلى اليوم في بناء تيار صحافي نقدي كاريكاتيري من النوع القابل للاستمرار والإقناع، لأننا نخاف من المجتمع، وتحاصرنا المساحات الضيقة من الحرية وكثرة الموانع والحواجز، وعدم القدرة على مقاربة العديد من الموضوعات المحرمة أو شبه المحرمة. وللكاتب خالد القشطيني - رحمه الله - تفسير للفقر العربي في الصحافة الساخرة يقول فيه: إن 50 % من السخرية العربية تدور حول الجنس، وهو موضوع مقدس عند العرب. وتأتي النسبة الباقية موزعة على السياسة والدين، وهما مقدسان أيضا، لذلك تموت الصحافة الساخرة.
* كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .