العدد 5371
الخميس 29 يونيو 2023
banner
كمال الذيب
كمال الذيب
قوة المعرفة واقتصاد المعرفة
الخميس 29 يونيو 2023

تُبنى الحضارةُ بالفكر وتنهض بالعلم والإبداع، وبالحضور المتواصل في تأسيس الثقافي والإبداعي للتقدم والابتكار والتجديد والتطوير المستمر في تنمية الحياة في أبعادها المختلفة، حيث لا يمكن لحضارة أن تستمر في الحضور والتأثير من دون طاقات الفكر والإبداع في شتى المجالات. وقد تبدو هذه الحقيقة بديهية، لكنها شبه غائبة في بلادنا العربية، ما يفسر تراجعنا وتخلفنا عن ركب الحضارة المتقدمة. 
وقد يعتقد البعض أننا نعيش في نهايات الأيديولوجيات الكبرى، وأن العصر هو عصر اقتصاد السوق والمال والأعمال والإنتاج والتنافس، وأن الثقافة دورها ثانوي في هذه المعركة، ولا نشك أنه لم يعد هناك كلي يؤطر النظريات ويحلل الإبداعات ويشكل المنهج الأمثل لفهم صيرورة التاريخ وتجليات الحياة الفردية والاجتماعية، لكن حتى منطق السوق والتنافس، يستبعد كل من لا يمتلك فكرًا مبدعًا مجددًا، لأن النهضة الصناعية بموجاتها المختلفة تستند إلى فكر يمهد لها وإلى علم ينير طريقها وإبداع يجدد منتجاتها.. فأهم إنجازات هذا العصر قوة المعرفة التي أنشأت “اقتصاد المعرفة”، و”قوة الثقافة” التي تحولت إلى قوة ناعمة لها قدرة على التغيير والتأثير، وإلى بديل عن الأيديولوجيات التي كانت تقدم نفسها على أنها نهائية ومقدسة غير قابلة للنقاش او التطور.
لذلك فإن الثقافة تفوق في أهميتها جميع أنواع الثروات والأسلحة وهي الأساس لأي تقدم وأي مشروع حضاري، فنحن بأمس الحاجة إلى إعادة الاعتبار للثقافة والفكر، بعيدًا عما عهدناه من عهود طويلة كنا فيها حبيسي خصوصية لا هي أصلية ولا هي ضرورية. فالمستقبل الذي ينتظرنا، إما أن نصنعه بأيدينا، ونختاره بأنفسنا من خلال أنفس وأرقى ما عندنا، والتفاعل مع الحداثة من دون عقد أو عوائق، وإلا سيفرض علينا العالم قيمه، كما يفرض منتجاته، في ظل “مركزيات” القرار السّياسي والقوّة الرَّادعة، والقوة الاقتصادية المصرّفة للطاقة والثّروة والهيمنة الإعلامية المطوعة لكل رأي، والإنتاج الثقافي العالمي الذي يصنع الحاجة ويكيّف الذوق ويسوّق البضاعة، مع محاولات الابتلاع الكاسحة الطامحة إلى السيطرة على كل شيء، حتى يتحول الفرد إلى مجرد ببغاء أو آلة ذات استجابة آلية.
كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية