العدد 5368
الإثنين 26 يونيو 2023
banner
كمال الذيب
كمال الذيب
حوارات مع الصديق (6): مأساة الفعل كتبَ...!
الإثنين 26 يونيو 2023

قال الصديق: ما أكثر الكُتَّاب وما أسخف الكتابة، فكيف ترى هذه المفارقة؟ قلت: صحيح أن كثيرا مما يُنشر اليوم هو مجرد (كلامٍ)، والكثرة طبيعية في زمن انتشار الكتابة وانعدام القيود وتراجع المعيارية الصارمة التي كانت مسيطرة في الماضي.. لكن المفارقة مفارقات، وليست واحدة فقط: الأولى: هي الكثرة من دون قيمة مضمونية أو جمالية، والثانية انتحال من (يكتب) صفة الكاتب أو الأديبِ، كما عهدهما أبناء جيلنا، والثالثة إطلاق مُسمَّى (الكتابة والنصوص) على كثير مما ينشر، تجنبًا لتسميةِ الأشياءِ بأسمائِها الفعلية: (الهراء)، (الثرثرة)، (الهذيان).. لكن ليست هذه هي المشكلة الوحيدة فقط، فقد سمحت تحولات النشر الإلكتروني بالتسويق الذاتي، من دون قيدِ أو شرطٍ مما جعل النشر في طريق مفتوح.
قال الصديق: قد يكون هذا الجانب إيجابيا في بعض وجوهه؛ لأنه كسر لطوق حصارات الكتابة وحصارات النشر من دون سلطة خارجية على الكاتب والناشر معا. قلت: هذا الجانب مهم ولا شك، ولا نختلف حوله، لكنَّ المشكلةَ تكمنُ في استشراء ثقافةِ الادِّعاء الملازمةِ لأوجه عديدة من الهراءِ، حتى كأنَّ مجرد النَّشر بات مطابقًا عند البعض للإبداعِ ذاته، بل ومفتاحًا للدخول إلى عالمِه. في حين أن الكتابةَ – الأدبيةَ تحديدا - تضعُنا مباشرةً إزاءَ الأسلوبِ والخلقِ. فهي “فن يتوسَّلُ اللُّغةَ” عند طه حسين، “وتعبيرٌ كتابيٌّ شخصيٌّ، يعتمدُ على الابتكارِ ويستخدمُ فيه الكاتبُ فكرَه ولغتَه وخيَالَهُ، لخلق قطعةِ فنية من الحياةِ. أو هي أيضا الإقامة حيث لا ذاكرةٌ.. لتضعنا إزاءَ الجراحاتِ والمداراتِ والأحلام الكبرى.. وهي باختصار الانتقال من أفقِ المألوفِ إلى أفقِ التَّأملِ والسُّؤالِ المفتوح دوما على المستقبل. 
قال الصديق: ما أصعبَ الكتابةَ وما أسهلَ الهُراءَ. فقد بتنا نحيا في عالم انخرمتْ فيه نُظمُ اللُّغةِ ومعايير الجمالية. ولذلك فما جدوى البحثُ في تفاهةِ الكلماتِ عن معنى تافهٍ أصلاً مادامت (الكتابة) من دون مضمون، ومادامت النُّصوصُ والمقالات، لا فرقَ بين أن نقرأها أو ألا نقرأها، فهي بالضرورة وجوهٌ لهزال الكتابةِ في الغالب الأعم.

* كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .