العدد 5364
الخميس 22 يونيو 2023
banner
كمال الذيب
كمال الذيب
الحمار المحترم!!
الخميس 22 يونيو 2023

من الواضح أن ثقافتنا العربية تحتقر الكائن الجميل المسمى حمارًا، فهي لا تعطيه حقه ولا تنزله المنزلة اللائقة بالأعمال الجليلة التي يقدمها منذ فجر التاريخ، ويكفيه شرفا أنه يصبر على أذى الإنسان وسخافاته واستغلاله واستعلائه وشره المستطير، بما في ذلك تنظيم حملات دعائية ظالمة من السب والشتم والتعيير، فهو رمز للغباء والجهل، وفقدان العقل والرشاد، والعناد. فإذا غضب الأب من ابنه العنيد يصفه بالحمار، وإذا غضب المدرس من أحد طلابه قد يصرخ في وجهه: يا حمار، مع أن جميع هذه الصفات غير دقيقة ولا تنطبق على الحمار.
إن الحمار كائن لطيف، محترم ومؤدب، وصبور وهادئ وذكي، يتعلم بسرعة ويسهل تدريبه وترويضه، وهو خادم مطيع للبشرية عبر آلاف السنين، وبعكس حيوانات أخرى- لا يحقد ولا ينتقم، وهو “عشري” لا يطيق الوحدة ويكره الفردية والأنانية، فضلا عن كونه رمزا حقيقياً للصَّبر. اختاره الحزب الديمقراطي الأميركي رمزا وتحول إلى أيقونة سياسية وانتخابية منذ اختار الزعيم الديمقراطي “أندرو جاكسون” توظيفه لتعزيز شعبيته. وباختصار، فإنَّ وسم الحمار بالغباء يصدر عن انطباع سطحي، فالتجربة البشرية تؤكد أنه كائن يمتلك ذكاءً غريزيا، وأنه قابل للتَّعلم، منضبط ومطيع، ويكفي دليلا أنه يوصف كدليل في الطرقات الوعرة، لأنه إذا سلكها مرة واحدة حفظها، ورسم خارطتها في دماغه الموسوم بالغباء، كما أنه يتمتع بطاقة كبيرة على التَّحمل، ويستعمل حدسه الطبيعي.
ومن أعاجيب الحمار في الانضباط والأدب والالتزام بالقواعد العامة والقوانين المرعية، أن كان لنا في سبعينيات القرن الماضي حمار لطيف، نحمِّله الأحمال من واحة النخيل، ليعود وحيدًا إلى البيت، بالرغم من طول المسافة وتشعب الطرقات، ومن عجائبه أنه عند أول ظهور للإشارات الضوئية في الشوارع ولم يكن للناس عهد بها فكانوا يرتبكون أمامها، وقد يتجاوزونها وهي حمراء راكبين أو راجلين، أما الحمار المحترم، فقد كان يحترم تلك الإشارة بعد أن جرى تدريبه مرة واحدة فقط. ولم يحدث أن تجاوزها وهي حمراء، بعكس بعض ذوي العقول، وهناك حكايات كثيرة، يمكن أن تضمها كتب عن فضائل هذا الكائن عبر التاريخ.
*كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية