العدد 5361
الإثنين 19 يونيو 2023
banner
كمال الذيب
كمال الذيب
تحصين المجتمع والدولة ضد الاختراق
الإثنين 19 يونيو 2023

التدخل في الشؤون الداخلية للدول مخالف للقانون الدولي، ويعتبر أسوأ ما يمكن أن يعتري العلاقات بين الدول من خلافات، لكن لتحسين صورته أضيفت إليه صفة “الإنساني” أو “الديمقراطي”، لتبرير النكوص عن واحد من أكثر المبادئ رسوخاً في القانون الدولي. هذا التدخل بدأ يهدّد الاستقرار في العديد من الدول التي تعاني من مشكلات جمة سكانية وتنموية، خصوصا بعد انهيار البنية القيادية الثنائية للنظام العالمي القديم الذي كان قائماً، والتي حلت محلها بنية أحادية القطب انفردت فيها الولايات المتحدة الأميركية بمقاليد الهيمنة العالمية، وأثَّر ذلك على السيادة الوطنية للعديد من الدول في العالم.
ففي ظل النظام القديم كانت هذه الدول تستطيع المناورة بالتحرك ضمن المسافة الفاصلة بين القطبين، للتقليل من احتمال إرغامها على فعل ما لا تريد، أما في ظل الأوضاع الحالية فلم يعد أمامها سوى الانصياع لأوامر ورغبات الدولة العظمى المتفردة بالقوة (إلى حد الآن)، أو مواجهة أنواع الحصار والعقوبات، واستخدام ما يسمى بالشرعية الدولية عند الضرورة. وقد شهد العالم ما الذي حل بدول مثل العراق وأفغانستان وليبيا، من ظلم وعدوان تحت نفس العنوان، لذلك لم يعد الحديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان - في مثل هذا السياق - يمثل أملاً حقيقياً للشعوب، لأنها تحولت إلى عصا تستخدم كذريعة للتدخل، في ظل ما يطلق عليه مسمى السيادة “فوق الوطنية”. وهذا يدعو إلى تجديد أدوار الدولة الوطنية لتتمكن من بناء تجربتها الخاصة في الديمقراطية بالاعتماد على ثقة مواطنيها، باعتبارهم الأساس لتحصين المجتمع والدولة ضد الاختراق والوصاية، ومواجهة الخرائط الجديدة للمصالح التي لا تتطابق بالضرورة مع مصالح الدولة الوطنية.
قد تكون التحولات الدولية الجارية حاليا فرصة للانتقال إلى عالم متعدد الأقطاب، لكنها لم تتضح صورتها النهائية بعد، ما قد يمنع استمرار تفرد القطب الأوحد بالهيمنة على العالم، أما في ظل الوضع الحالي وما نعيشه من هيمنة أحادية قائمة على الابتزاز والتخويف والإمعان في سحق إرادات الدول الأخرى، سيبقى الأمل معقودا على تعزيز الجبهة الداخلية للدول للحفاظ على استقلال إرادتها الوطنية.
* كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .