1. الذكاء الاصطناعي في البلدان المتقدمة مرحلة من مراحل التطور العلمي والتكنولوجي، يساعد على تحقيق تقدم نوعي وسريع وبأقل المحاذير لمواجهة المشكلات التي عجز عن حلها الإنسان بالوسائل المتاحة حتى الآن، في المجالات العلمية والتنموية والأمنية والعسكرية والبيئية والطبية والاتصالية وغيرها. أما عندنا فالمسألة مختلفة تماما، فباستثناء ما نستورده جاهزا من منظومات متطورة، فقد تحول الذكاء الاصطناعي إلى مجرد شعار من دون محتوى جدّي، خصوصا عند محتلي وسائل التواصل الاجتماعي: فهو يساعد على التحايل والسرقة ومحاكاة الأصوات والصور وفبركة الحكايات والقصص والتهريج، بل استمعت مؤخرا إلى من يشرح ويشجع على استخدام عدد من البرامج “الذكية” لانتحال مقالات أو بحوث مدرسية وجامعية أو حتى تأليف قصة أو قصيدة أو رواية بالنيابة عنك، فالبرنامج “يخلص” لك كل شيء، فتصبح أديبا أو شاعرا أو حتى رساما تشكيليا، كما يمكنك استخراج شهادة مزيفة أو تحقيق كسب مادي عبر التحايل والكذب.. إنها باختصار هجمة مريضة من الانبهار وسوء الفهم والتصرف تجتاح وسائل التواصل الاجتماعي، وهي هجمة مرعبة ستزيد أوضاعنا سوءا على سوء، من الكسل والانتحال والتحايل والتزوير والادعاء، والسخف وانعدام الكفاءة والإبداع.
2. كان معظم المتعلمين في جيلنا يقرأون قراءات جادة في معارف مختلفة، ما يحتاج إلى جهد وسهر وبحث وتنقيب عن الفكرة السّديدة والرؤية العميقة، ويستدعي إجهادا للعقل والبدن ومغالبة للنفس، حتى كان اقتناء الكتاب يساوي اقتناء السيارة التي يتبجح بماركاتها شباب اليوم، في ذلك الزمن كان المتعلمون يحفظون - إلى جانب سور من القرآن الكريم - مقامات بديع الزمان ومقامات الحريري، ويطلعون بعمق على المقابسات الإلهية والإمتاع والمؤانسة لأبي حيان التوحيدي، وكتابي أبي حامد الغزالي: المنقذ من الضلال وتهافت الفلاسفة، وتهافت التهافت لابن رشد، فضلا عن أشهر القصص والروايات والأشعار وبعض المترجمات والقواميس. ولا شك أن اندفاع الجيل نحو البحث يعود إلى أسباب عديدة، منها أن تحالف الفضائيات والإنترنت لم يكن قد ظهر بعد، والآباء كانوا يصرون على حقوقهم كاملة على الأبناء، ولم يعطوا أبناءهم ذرائع على سلطانهم بعكس حالة السيولة والتسيب المنتشرة اليوم. وللحديث صلة.
* كاتب وإعلامي بحريني