يحتفي المسلمون في بقاع الأرض كلها بذكرى استشهاد “الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب” “عليهم السلام”، وهي مناسبة إسلامية دينية جليلة، وإنسانية عالمية عظيمة، لا تخص فئة أو طائفة معينة، كونها تُخلد أحد أبطال الإسلام، الذي ضحى بنفسه وأهل بيته من أجل استدامة الحق ورفع لواء العدالة، وتضحيته “عليه السلام” مدرسة يسمو فيها التعايش والتلاقي مع الآخر، وهي نموذج للبناء الصادق القائم على أسس التسامح، فهي مناسبة خالدة بعيدة عن المذهبية، وأن تُحيا بالخطاب الإنساني الجامع للحق والنابذ للفرقة والتشتت والتعصب، وتنقيتها من كُل ما يُشوّه حركتها وقيمها باعتبار أن الأهداف التي ضحى من أجلها “الإمام الحسين” هي قِيم إنسانية لا فئوية، ولا يمكن اختصارها بفئة أو طائفة أو مكان أو زمان.
إن تعظيم مناسبة عاشوراء ليس بإحيائها فقط، بل بنشر مبادئها وما تحمله من معاني المحبة والانفتاح والعدالة والانتصار للحق ورفض الظلم، والرأفة بالإنسان وحمايته، وهي ذاتها المبادئ التي استشهد من أجلها “الإمام الحسين”، وهي المبادئ التي خلدت ذكراه العطرة أرضًا وزمانًا إلى يوم يبعثون، فعندما خرج ثائرًا لم يكن في نفسه أي تمييز بين مسلم وآخر، وبين إنسان وآخر، وبين مذهب وآخر، فخروجه كان مبدأ حق وليس عصبية ضيقة، لذا، فهو إمام الإنسانية جمعاء وشهيد الإنسانية جمعاء، ولم يكن خطابه مذهبيا أو عشائريا بل كان خطابه عامًا وشاملًا، ساعيًا إلى إصلاح الواقع الإسلامي ككُل، وتحقيق الوحدة الإسلامية، وغدا بذلك نموذجًا مُشرَفًا لكل أحرار العالم باختلاف ألوانهم وأعراقهم وشرائعهم.
لقد جسد “الإمام الحسين” في نهضته بجانب مبدأ الحق والإنسانية مبدأ الإصلاح، إصلاح الأمة وصيانتها من العبث والفساد، لأجل رفعة الدين وعزة الإنسان وكرامته، وتأكيدًا لنشر العدل وتعبيد الطريق الصائب. لذا، فحركته ونهضته لا تزال مَشعلًا للحرية والعِزة والإباء، بكل ما فيها من مشاعر وغايات وفِكر وسلوكيات، وبهذه النهضة المباركة انتقلت “كربلاء” من أرض ترابية إلى بقعة مباركة حملت أروع ثورة إنسانية خالدة يحتفي بها العالم كُل عام وعلى مدار الأيام.
كاتب وتربوي بحريني