العدد 5180
الثلاثاء 20 ديسمبر 2022
banner
كأس “الشيخ” ميسي... و“طقوس رمضان”!
الثلاثاء 20 ديسمبر 2022

انفضَّ المونديال عن بكرة أبيه، وأصبح ميسي بطلًا متوَّجًا بالعرش الأغلى في عالم الساحرة المستديرة، ليكون أسطورة أرجنتينية خالدة لا تقل عن مارادونا، بعد أن أهدى بلاده أكثر شيء تتوق إليه في الحياة... وهو النجمة الموعودة منذ 36 سنة.
لذلك نكرر دائمًا ونقول: إن القيمة الحقيقية لكرة القدم، لا تكمن في وصفها السطحي بوجود 22 لاعبًا داخل مستطيل أخضر يركضون وراء قطعة جلدية منفوخة بالهواء. وإن بدا هذا الوصف صحيحًا من حيث المبدأ، يبقى مفتقدا إلى العمق متجاهلا للتفاصيل المشوقة في عالم الساحرة المستديرة ذات الجماهيرية العارمة.
تبرر الأرقام لماذا كرة القدم الأكثر شعبية في العالم، إذ يكفي أن يتابع مبارياتها أكثر من 3 مليارات من البشر حول العالم، وتنعكس نتائجها ومواعيدها بشكل مباشر على حياتهم اليومية ويتغير مزاج الدول، كلٌّ حسب درجة شغفه بهذه اللعبة المثيرة من أصغر مواطن إلى أكبر مسؤول.
وليس من قبيل المبالغة القول: إن فترة المونديال وهي شهر تقريبًا تشهد طقوسًا مشابهة لطقوس شهر رمضان - مع حفظ الفارق - لكن ثمة رابط في سلوك الناس يتغير بوضوح، مثل الاهتمام بمتابعة التلفزيون للمباريات والذهاب للمقاهي المزينة بالأعلام والتصاميم الخاصة بالمونديال، في مشهد مشابه لما يحدث في الشهر الفضيل، حينما يعلق أصحاب المحال فوانيس رمضان وتكتسي الجدران والأمكنة بالزخرفة الرمضانية المميزة، وتصبح مواعيد الإمساك والإفطار مقدسة ولها نظام مختلف عن النظام المعتاد، وصولًا إلى هلال العيد الذي يعني الاحتفال بنهاية الطقوس الرمضانية الدينية والاجتماعية. وفي حالة مشابهة تفرض بطولة كأس العالم، نمطًا مغايرًا للحياة في المجتمع، ومن أهمها مواعيد مباريات المونديال بالنسبة للكثير من البشر، وآخرين يعتبرون هذه الفترة موسمًا للخروج إلى المقاهي والديوانيات في أوقات لا تقبل التأخير ولو لدقيقة واحدة، وآخرون لا يرضيهم إلا السفر والحضور في ملعب المباراة!
هذا بالتحديد ما تفعله  “الساحرة المستديرة” حول العالم. إنها تسحر العقول وتجعل الناس في أوضاع نفسية متقلبة، حسب نتائج المباريات، فعندما يكون فريقك فائزًا تعادل فرحتك نشوة رجل أعمال ربح في البورصة مئات الملايين في ضربة واحدة، وعندما يخرج فريقك من البطولة تشعر كما لو أنك فقدت شخصًا عزيزًا عليك!
ولا أعلم ماذا أقول وأنا ممن أحزنه خروج المنتخب البرازيلي بركلات الترجيح أمام كرواتيا التي صدقت نفسها فأعادتها الأرجنتين إلى حجمها الطبيعي، ولكن بعد فوات الأوان، فقد حرمتنا هذه الفرقة من مشاهدة “كلاسيكو العالم” بين البرازيل والأرجنتين في أفضل مباراة كرة قدم يمكن مشاهدتها على الإطلاق.
والأدهى من ذلك أن هذه الجريمة البشعة في حق كرة القدم الجميلة تلاقي استحسان بعض المتابعين، والحمد لله أن الأرجنتين بقيادة ميسي، استطاعت أن تسدل الستار على هذه النسخة المونديالية الأخيرة بمشاركة 32 منتخبًا بأفضل طريقة ممكنة، وغدًا نستكمل الحديث عن صراع المدارس الكروية في العالم.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية